بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الاول
الزواج المثالي وارتباطه بالتربية
قبل أن أشرع في بيان الأسس التي وضعها الإسلام في تربية الأولاد يحسن أن أتعرض للزواج من نواح ثلاثة:
1. الزواج فطرة إنسانية:
من الأمور البديهية في مبادئ الشريعة الإسلامية أن الشريعة حاربت الرهبانية لكونها تصادم مع فطرة الإنسان, وتتعارض من ميوله وأشواقه وغرائزه.
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنفية السمحة » رواه الطبراني
ونحن اذا تأملنا موقف رسول الله في مراقبة أفراد المجتمع, ومعالجة النفس الإنسانية, إزددنا يقينا بأن هذه المراقبة وتلك المعالجة مبنيتان على إدراك حقيقة الإنسان وراميتان الى تلبية أشواقه وميوله، حتى لا يتجاوز اي فرد من المجتمع حدود فطرته. قال تعالى :{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الروم/30]
واليكم هذا الموقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يعد من أعظم المواقف الاصلاحية التربوية في معالجة الطبائع السلبية وفهم حقيقة الإنسان.
2. الزواج مصلحة إجتماعية
من المعلوم أن للزواج في الإسلام فوائد عامة ومصالح الإجتماعية, منها:
1. المحافظة على النوع الإنساني: فبالزواج يستمر بقاء النسل الإنساني ويتكاثر ويتسلسل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}[النحل/72]
2. المحافظة على الأنساب: فبالزواج الذي شرعه الله لعباده يفتخر الأبناء بانتسابهم الى أبائهم.
3. سلامة المجتمع من الإنحلال الخلقي: ولا يخفى أن غريزة الميل الى جنس الأخر بالزواج تتحلى الأمة بأفضل الآدب والأخلاق. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ».رواه الجماعة من حديث ابن مسعود
4. سلامة المجتمع من الأمراض السارية الفتاكية التي تنتشر نتيجة للزنى وشيوع الفاخشة ومن الأمراض الخطيرة التي تقضي النسل وتوهن الجسم.
5. السكن الروحاني والنفساني: يجد كل من الزوجين في ظل الأخر سكنه النفسي وسعادته الزوجية. قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم/21] ولايخفى ما في هذا من حافر على تربية الأولاد, والإعتناء بهم والرعاية لهم.
6. تعاون الزوجين في بناء الأسرة وتربية الأولاد: فالمرأة تعمل ضمن اختصاصها وما يتفق مع طبيعتها و أنوثتها . والرجل كذلك يعمل ضمن اختصاصه وما يتفق مع طبيعته و رجولته. وبهذا يتم روح التعاون بين الزوجين.
7. تأجج عاطفة الأبوة والأموة: وفي هذه العواطف أثر كريم ونتائج طيبة في رعاية الأبناء , وهي أهم المصالح التي تنجم عن الزواج , ولقد رأيت إرتباط هذه المصالح بتربية الأولاد وإصلاح الأسرة وتنشئة الجيل . قال النبي صلى الله عليه و سلم: « ما أستفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة . إن أمرها أطاعته . وإن نظر إليها سرته . وإن أقسم عليها أبرته . وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله(1) »
3. الزواج إنتقاء واختيار
الإسلام بتشريعه السامي ونظامه الشامل قد وضع امام كل من الخاطب والمخطوبة قواعد وأحكاما إن اهتدي الناس بهديها ومشوا على نهجها كان الزواج في غاية التفاهم والمحبة والوفاق, منها:
1. الاختيار على اساس الدين:
والمراد به الفهم الحقيقي للإسلام, والتطبيق العملي السلوكي لكل فضائله السامية,اي الالتزام الكامل بمناهج الشريعة.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم راغبي الزواج بأن يظفروا بذات الدين، لتقوم الزوجة بواجبتها الأكمل في أداء حق الزوج والأولاد والبيت علي النحو الذي أمر به الإسلام. عن أبي هريره رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : « تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك »(2).
وبالمقابل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أولياء المخطوبة بأن يبحثوا عن الخاطب ذي الدين والخلق، ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة وأداء حقوق الزوجية وتربية الأولاد. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض »(3).
فكم من فتاة كانت في بيت أهلها مثالا للعفة والطهر, فلما انتقلت الى بيت أباحي وزوج متحلل فاجر انقلبت الى امرأة متهتكة مستهترة لا تقيم لمبادئ الفضيلة, وإن الأولاد حين ينشؤون في مثل هذا البيت سينشؤون على الإنحراف والإباحية ويتربون على الفساد والمنكر.
2. الاختيار على اساس الاصل والشرف:
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم راغبي الزواج الى أن يختاروا زوجات ترعرعن في بيئة صالحة ونشأن في بيت عريق عرف بالشرف والطيب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « تزوجوا فى الحجز الصالح فإن العرق دساس »(4). ولعل السر في هذا حتى ينجب الرجل أولادا مفطرين على معالي الأمور ومتطبعين بعادات أصلية وأخلاق إسلامية قويمة, يرضعون منهن لبان المكارم ويكتسبون بشكل عفوي خصال الخير ومكارم الأخلاق.
3. الاغتراب في الزواج:
والمقصود به تفضيل المرأة الاجنبية علي ذوات النسب والقرابة حرصا على نجابة الولد وسلامة أجسامه.
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الزواج بذوات النسب والقرابة حتى لا ينشأ الولد ضعيفا وتنحدر اليه عاهات أبويه وأمراضهما. ولقد أثبت علم الوراثة كذلك.
4. تفضيل ذوات الابكار:
وهذا بحكم بالغة وفوائد عظيمة. منها: حماية الأسرة مما ينغص عيشها, ويوقعها، وفي الوقت نفسه تمتين لآواصر المحبة لكون البكر مجبولة على الانس والألفة بأول إنسان تكون في عصمته وتلتقي معه، بعكس الثيب فقد لاتجد في الزوج الثاني الألفة التامة والمحبة المتباذلة والتعلق القلبي بين أخلاق الأول ومعاملة الثاني. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « عليكم بالأبكار . فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير »(5).
5. تفضيل الزواج بالمرأة الولود:
وتعرف بشيئين:
1. سلامة جسمها من الأمراض التي تمنع من الحمل.
2. النظر في حال امها واخواتها.
ومما تجدر الاشارة اليه أن على الذي يتزوج المرأة الولود ويحرص على كثرة النسل أن يؤدي عليه من واجب ومسؤولية. والذي يأنس من نفسه أن ينهض بمسؤلية الأولاد فلا يسعه الا أن يفتش عن المرأة الولود ليضاعف من إعداد هذه الأمة المحمدية التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس. عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها ؟ قال « لا » ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال:« تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم »(6).
الفصل الثاني
الشعور النفسي نحو الأولاد
1. الابوان مفطران على محبة الولد:
ولولا أن قلب الأبوين مفطور على محبة الولد لانقرض النوع الإنساني من الارض، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما ولما قاما بكفالتهم. قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }[الكهف/46] وقال ايضا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان/74]
2. الرحمة بالأولاد منحة من الله للعباد:
والقلب الذي يتجرد من خلق الرحمة يتصف صاحبه بالفظاظة العاتية, والغلظة اللئيمة القاسية, وفي هذه الصفات القبيحة من ردود فعل في انحراف الأولاد. لهذا كله نجد شريعتنا الإسلام قد رشخت في القلوب خلق الرحمة وحضت الكبار من أباء ومعلمين ومسؤولين على التحلي بها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا»(7).
3. كراهية البنات جاهلية بغيضة:
الإسلام بدعوته الى المساوة المطلقة والعدل الشامل لم يفرق في المعاملة الرحيمة بين رجل وامرأة، تحقيقا بقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة/8] وتنفيذا لامر رسول الله صلى اللَّه عليْه وسلّم: « اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ »(8).
وإذا وجد في المجتمع الإسلامي أباء ينظر الى البنت نظرة تمييز عن الولد, فالسبب في هذا يعود الى البيئة الفاسدة التي وضعوا منها أعرافا ما أنزل الله بها من سلطان بل هي أعراف جاهلية مخضة وتقاليد إجتماعية بغيضة, يتصل عهدها بالعصر الجاهلي الذي قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل/58، 59]
والسبب في هذا ايضا يعود الى ضعف الإيمان وزعزعة اليقين لكونهم لم يرضى بما قسمه الله لهم من إناث.
4. فضيلة من يتجلد لموت الولد:
وقد أخبر النبي أن من يموت له ولد فيصبر ويسترجع يبني الله بيتا في الجنة. روي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي ! فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده! فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واستجرع فيقول الله إبنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد »(9).
ولهذا الصبر ثمرات يقتطفها الصابر المحتسب في يوم لا ينفعها مال ولا بنون. فمن ثمراته أنه سبيل الى الجنة, وحجاب من النار.
الفصل الثالث
اجكام العامة تتعلق بالمولود
ما يفعل المربي عند الولادة
1. إستحباب البشارة والتهنئة عند الولادة وفي ذلك تقوية للأواصر ونشر لأجنحة المحبة والألفة بين العوائل المسلمة.
2. استحباب التأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى عند الولادة مباشرة. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى رفعت عنه أم الصبيات »(10) ولأن يكون اول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي.
3. استحباب تحنيكه عند ما يولد وذلك بوضع جزء من الممضوع على الاصبع وإدخال الاصبع في فم المولود ثم تحريكه يمينا وشمالا بحركة لطيفة حتى تبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة. والحكمة في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلمظ حتى يتهيأ المولود للقم الثدي وامتصاص اللبن. ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوى والصلاح تبركا به وتيمنا بصلاح المولود وتقواه.
4. استحباب حلق رأس المولود يوم سابعه والتصدق بوزن شعره فضة على الفقراء. وفي ذلك حكمة يتعلق بحصية وإجتماعية. وذلك لأن في إزالة شعر رأس المولود تقوية له وفتحا لمسام الرأس. ولأن التصدق بوزن شعره فضة ينبوع من ينابع التكافل.
5. استحباب تسمية المولود يوم سابعه بأحسن الأسماء وأجملها، وأن يجنبها الأسماء القبيحة التي لا تمس كرامته والأسماء التي لها إشتقاق من كلمات فيها تشائم كما عليه أن يجنبه الأسماء المختصة بالله تعالى.
6. عقيقة المولود، وهي ذبح الشاة عن المولود يوم السابع من ولادته. وهي مستحبة على رأي الجمهور عن الذكر والانثى على السواء ولكن توجد المفاضلة بينهما، للذكر شتان وللأنثى شاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة »(11).
7. ختان الولد وهو قطع القلفة التي على رأس الذكر. وهو واجب على الذكر ومستحب على الانثى.
وفي الختان فوائد منها:
• بقطع القلفة يتخلص المرء من المفرزات الدهنية، ويتخلص من السيلان الشحمي المفرز للنفس.
• بقطع القلفة بتخلص المرء من خطر انحباس الحشفة أثناء التمدد.
• يقلل الختان إمكان الإصابة بالسرطان، وقد ثبت أن السرطان كثير الحدوث في الأشخاص المتضيقة قلفتهم.
• إذا أسرعنا في ختان الطفل أمكننا تجنبه الإصابة بسلس البول الليلي.
• يخفف الختان من كثرة استعمال العادة السرية لدى البالغين.
الفصل الرابع
اسباب الإنحراف ومعالجها
1. الفقر:
من المعلوم أن الطفل حين لايجد في البيت ما لايكفيه من غداء وكساء سيلجأ الى مغادرة البيت فتتلقفه أيدي السوء فينشأ في المجتمع مجرما. والإسلام قد وضع الاسس الكافلة لحقاربة الفقر، كتأمين سبل العمل لكل مواطن، ورعاية زمر اليتامى والأرامل والشيوخ وغير ذلك. من المناهج التي إن تحققت زال في المجتمع أسباب الجريمة.
2. النزاع والشقاق بين الأباء والأمهات:
أن الولد حين يفتح عينيه ويرى الخصومة أمام ناظره سيترك حتما جو البيت ويهرب من محيط الأسرة ليفتش عن رفاق يصرف في مخالطتهم معظم فراغه، فإن كانوا قرناء سوء فإنه سيدرج معهم على الإنحراف. والإسلام رسم في حسن اختيار الزوج والزوجة، وما ذلك الا تحقيق المودة والتفاهم.
3. حالات الطلاق:
أن الولد حين يفتح عينيه ولاتجد الأم التي تحنو عليه ولا الاب الذي يقوم على امره، فإنه لاشك سيتربى على الفساد والإنحراف. فالإسلام أمر كلا من الزوجين. منها:
أ. طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف.
ب. أن تخفظ الزوجة للزوج ماله ونفسه.
ج. قيام الزوج بواجب النفقة على الزوجة والأولاد.
د. استشارة الزوج زوجته.
ه. أن يغض الزوج عن بعض نقائص زوجته، ولا سيما ان كان لها محاسن ومكارم تغطي هذا النقص.
و. مساعدة زوجته في اعمال المنزل. اقتداء بالنبي.
4. الفراغ الذي يتحكم في الأولاد:
أن الولد منذ نشأته مولع باللعب ميال الى المغامرة محب للتمتع بالمناظر الطبيعية. فيجب على المربين أن يشتغلوا في الاطفال حتى يملؤوا فراغهم بما يعود على اجسادهم بالصحة، وعلى ابدانهم بالنشاد.
5. الخلطة الفاسدة ورفاق السوء:
من العوامل التي تؤدي الى انحراف الولد رفاق السوء والخلطة الفاسدة، ولا سيما إن كان الولد بليد الذكاء. فسرعان ما يتأثر بمصاحبة الاشرار بل يسير معهم في طريق الشقاوة بخطي سريعة. والإسلام وجه المربين الى أن يراقبوا أولادهم مراقبة تامة، ليعرفوا من يخالطون ويصاحبون. كما وجههم أن يختاروا لهم الرفقة الصالحة.قال تعالى : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف/67]
6. سوء معاملة الابوين:
إن الولد إذا عومل من قبل مربيه المعاملة القاسية، وأدب من قبلهم بالضرب الشديد والتوبيخ القارع وكان دائم الهدف في التحقير والازدراء. فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وإن ظهور الخوف والانكماش ستبدو في تصرفاته. والإسلام يأمر كل مربين أن يتحلوا بالأخلاق العالية والملاطفة الرصينة حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}[النحل/90]
7. مشاهدة افلام الجريمة:
أن الولد حين يعقل تنطبق في ذهنه هذه الصور والمشاهد الآثمة فيعمد الى تقليدها. والإسلام يضع أمام المربين المنهج القويم في تربيتهم. منها:
- الوقاية الكاملة من كل ما يسبب لهم غضب الجبار. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم/6]
- استشعار المسؤولية نحو من لهم حق التربية، ليقوموا بأداء الأمانة على أكمل وجه.
- إزالة الضرار عن كل ما يؤدي الى انحراف عقيدتهم وأخلاقهم.
8. تخلي الأبوين في المجتمع:
أن الولد إذا قصرت الأم في الواجب التربوي لانشغالها مع معارفها وخروجها من بيتها. وإذا أهمل الأب مسؤلية التربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ الى اللهو. فلا شك أن الولد سينشؤ نشأة اليتامى ويعيشو عيشة المشردين. والإسلام حمل الابوين مسؤولية الكبرى في تربية الأولاد وتهددهم بالعذاب الأكبر إذا هما فرطا. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا }[التحريم/6]
9. مصيبة اليتم:
أن اليتيم الذي مات أبوه وهو صغير لم يجد اليد الحانية والقلب الرحيم الذي يعطف عليه. وإذا لم يجد من الأوصياء المعاملة الحسنة والرعاية الكاملة فلا شك أن هذا اليتيم سيدرج تحت الإنحراف. والإسلام أمر الأوصياء وكل من له صلة قرابة أن يحسنوا معاملته وأن يقوموا على أمره وكفالته حتى ينشأ على المكارم الخلقية. قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة/220]
فصل الخامس مسؤلية المربين
** التربية الإيمانية **
المقصود بالتربية الإيمانية ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة.
وذلك أن الرسول صلوات الله عليه قد اهتم بتلقين الولد منذ نشأته أصول الإيمان وأركان الإسلام وأحكام الشريعة وتأديبه على حب الرسول صلوات الله عليه وسلم وحب آله واصحابه وتلاوة القرأن الكريم حتى يتربى الولد على الإيمان الكامل والعقيدة الراسخة.
من الأمور المسلم بها أن الطفل حين يولد، يولد على فطرة التوحيد وعقيدة الإيمان بالله وعلى أصالة الطهر والبراءة. وإذا تهيأت له التربية المنزلية الواعية والحلطة الإجتماعية الصالحة والبيئة التعلمية المؤمنة نشأ الولد على الإيمان الراسخ والأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة. قال تعالى:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم/30]
وأن مسؤولية التربية الإيمانية لدى المربين لهي مسؤولية هامة وخطيرة لكونها منبع الفضائل ومبعث الكمالات بل هي الركيزة الاساسية لدخول الولد في خطيرة الإيمان وقنطرة الإسلام. وبدون هذه التربية لاينهض الولد بمسؤولية ولايتصف بأمانة ولا يتحقق بمعنى الإنسانية الفاضلة بل يعيش عيشة البهائم ليس له هم سوى أن يسد جوعته ويشبع غريزته. قال تعال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد/12]
** التربية الخلقية **
ومما لاشك فيه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية هي ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ والتنشئة الدينية الصحيحة. فالطفل حين ينشأ على الإيمان بالله ويتربى على الخشية منه تصبح عنده الملكة الفطرية. وحينما تكون التربية للطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية مجردة عن التوحيد الديني والصلة بالله فإن الطفل يترعرع على الفسوق والانحلال وينشأ على الضلال والالحاد.
واعلم ان التربية الفاضلة في نظر الإسلام تعتمد في الدرجة الاولى على قوة الملاحظة والمراقبة فجدير على المربين أن يلحظوا في الأولاد ظواهر أربعة لكونها من أقبح الاعمال وأحط الأخلاق. وهي:
1. ظاهرة الكذب:
فإنها من أقبخ الظواهر في نظر الإسلام فواجب على المربين أن يعيروها اهتمامهم. وإذا كان التربية الفاضلة تعتمد على القدوة الصالحة فجدير بكل مرب الا يكذب على أطفاله بحجة إسكاتهم من بكاء او ترغيبهم في الامر، فإنهم إن فعلوا ذلك يكونون قد عودوهم عن طريق القدوة السيئة على أقبح العادات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من قال لصبي : تعال هاك ، ثم لم يعطه فهي كذبة»(12).
2. ظاهرة السرقة:
فإنها متفشية في البيئات المتخلقة التي لم تتخلق بأخلاق الإسلام ولم تترب على مبادئ التربية والإيمان. ومن المعلوم أن الولد إن لم ينشأ على مراقبة الله ولم يتعود على الامانة وأداء الحقوق سيدرج على الغش والسرقة والخيانة. ولهذا يجب على المربين أن يغرس في نفوسهم عقيدة المراقبة، وأن يعرفوهم بالنتائج الوخيمة التي تنجم عن السرقة وتستفحل بسبب الغش والخيانة.
3. ظاهرة السباب والشتائم:
فإنها من أقبخ الظواهر المتفشية في محيط الأولاد. وذلك بسببين:
- القدوة السيئة: فإن الولد حينما يسمع من أبويه كلمات الفخش سيحاكي كلماتها ويتعود تردادها.
- الخلطة الفاسدة: فإن الولد الذي يترك لقرناء السوء فمن البديهي أن يتلقن منهم لغة اللعن والسباب.
4. ظاهرة الميوعة والانحلال:
فإنها من اقبخ الظواهر التي تفشت بين أولاد المسلمين، فأنهم قد انساقوا وراء التقليد الأعمى وانخرطوا في تيار الفساد والإباحية دون رادع من دين او وازع من ضمير.
واليكم اهم بنود هذا المنهج العملي في تربية الولد على الخلق القويم:
التخذير من التشبه والتقليد الاعمى:قال النبي صلى الله عليه و سلم « خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب » (13)
النهي عن الاستغراق في التنعم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال : « إياك والتنعم ؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين».(14)
النهي عن الاستماع الى الموسيقي والغناء الخليع: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين ، وأمرني أن أمحق المزامير والكنارات ، يعني البرابط والمعازف » (15)
النهي عن التخنث والتشبه بالنساء: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لعن النبي صلى الله عليه و سلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء(16).
النهي عن السفور والتبرج والاختلاط والنظر الى المحرمات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب/59]
‘* التربية الجسمية **
أوجب الإسلام على المربين من الأباء والأمهات التربية الجسمية لينشأ الأولاد على خير ما ينشؤون عليه من قوة الجسم وسلامة البدن ومظاهر الصحة والنشاط.
من المنهج العملي الذي رسمه الإسلام:
1. وجوب النفقة على الاهل والولد:قال تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة/233]
2. اتباع القواعد الصحية في المآكل والمشرب والنوم لتصبح لدى الأولاد عادة وخلقا. فمن هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام والشراب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه ، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه ، فإن غلبته نفسه ، ثم ذكر كلمة معناها ، فثلث طعام ، وثلث شراب ، وثلث للنفس».(17)
3. التحرز عن الأمراض السارية المعدية. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :« وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ».(18)
4. معالجة الأمراض بالتداوي لما للتداوي من أثر كبير في دفع البلاء وتحقيق الشفاء. عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: « لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز و جل»(19).
5. تطبيق مبدأ لاضرر ولاضرار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاضرر ولا ضرار »(20).
6. تعويد الولد على ممارسة الرياضة والعاب الفروسية تحقيقا لقوله تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال/60] وتنفيذا لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»(21).
7. تعويد الولد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم ليقوم في سن الرشد بواجب الجهاد والدعوة الى الله بأحسن وجه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إياك والتنعم ؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين »(22).
8. تعويد الولد على حياة الجد والرجولة والابتعاد عن التراخي والميوعة والانحلال. قال الرسول صلى الله عليه و سلم « احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»(23).
** التربية العقلية **
اي تكوين فكر الولد بكل ما هو نافع من العلوم الشرعية والثقافة العلمية والعصرية والتوعية الفكرية والحضارية حتى يتضج الولد فكريا ويتكون علميا وثقافيا.
ان التربية العقلية انما هي توعية وتثقيف وتعليم وانها تتركز في الأمور التالية:
1. الواجب التعليمي:
من المعلوم تاريخيا أن اول آية نزلت على قلب الرسول صلى الله عليه و سلم هذه الايات: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإنسان مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ }[العلق/1-5] وما ذاك الا تمجيد لحقيقة القرأة والعلم وايذان لرفع منار الفكر والعقل.
أن الإسلام دين يجعل التعليم منذ الصغر اجباريا والتزاميا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم »(24) ولذلك يجب على المربين أن يحرص على تعليم الأولاد بتعليم القرأن والسيرة النبوية وكل ما يحتاج اليه من العلوم الشرعية امتثالا لأمر الرسول حيث قال: «أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه»(25) ومن القواعد التي وضعها الإسلام في تعليم الولد البدء في مراحل الطفولة الأولى حيث يكون الولد أصفى ذهنا وأقوى ذاكرة وأنشط تعليما. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « العلم في الصغر كالنقش في الحجر»(26).
2. التوعية الفكرية:
اي ارتباط الولد بالإسلام دينا ودولة. وبالقرأن نظاما وتشريعا وبالتاريخ الإسلامي عزا ومجدا.
إذن على المربين أن يعرفوا الولد منذ صغره على الحقائق التالية:
- خلود الإسلام وصلاحيته لكل الأزمنة والأمكنة.
- اباؤنا الاولون يعزون بفضل اعتزازهم بهذا الإسلام وتطبيقهم لأنظمة القرأن.
- الكشف للولد عن المخطوطات التي يرسمها أعداء الإسلام.
والى ذلك يتصل بعدة وجوه:
1. التلقين الواعي: بأن يلقن الولد من قبل أبويه ومربيه حقيقة الإسلام وما ينطوي اليه من المبادئ وتشريعات وأحكام.
2. القدوة الواعية: بأن يرتبط الولد بمرشد مخلص واع فاهم للإسلام مندفع له مجاهد في سبيله مطبق لحدوده لاتأخذه في الله لومة لائم.
3. المطالعة الواعية: بأن يضع المربي بين يدي الولد منذ أن يعقل ويميز مكتبة تشمل مجموعة من القصص الإسلامية ومن الكتب الفكرية تتحدث عن كل ما يتعلق بالنظم الإسلامية ومن المجلات الإسلامية الواعية.
4. الرفقة الواعية: بأن يختار المربون لأولادهم رفقاء صالحين مأمونين متميزين من غيرهم بالفهمي الإسلامي الناضخ والوعي الفكري النابة.
3. الصحة العقلية:
بأن يقدروا عقول ابنائهم حق قدرها ويرعوها حق رعايتها حتى يبقى تفكيرهم سليما وذاكرتهم قوية. وذلك بتجنيبهم المفاسد المنتشرة في المجتمع هنا وهناك من تناول الخمور والدخان، لما لها من تأثير على العقل والذاكرة.
** التربية النفسية **
وهي تربية الولد منذ أن يعقل على الشجاعة والشعور بالكمال وحب الخير. والهدف من هذه التربية تكوين شخصية الولد وتكاملها حتى يستطيع أن يقوم بالواجبات على أحسن وجه.
وذلك بأن يحرروا الولد من كل العوامل التي تغض من كرماته واعتباره والتي تجعله ينظر الى الحياة نظرة حقد وكراهية. منها:
1. الخجل: وهي انكماش الولد وانطواؤه وتجافيه عن ملاقاة الاخرين وليس هو كالحياء إنما هي التزام الولد مناهج الفضيلة وآدب الإسلام.
من المعلوم أن الخجل من طبيعة الاطفال. والمعالجة لاتتم الا أن نعود الأولاد على الاجتماع بالناس سواء جلب الاصدقاء الى المنزل لهم او مصاحبتهم لأبائهم في زيارة الاقارب.
2. الخوف: هي حالة نفسية تعتري الصغار والكبار والذكور والاناث. وقد تكون هذه مستحبة إن كانت ضمن الحدود الطبيعية لدى الاطفال، لأنها تكون وسيلة في حماية الطفل من الحوادث وتجنبه كثيرا من الاخطار. ولكن إذا ازداد الخوف عن الحد المعتاد فإنه يسبب في الاطفال قلقا نفسيا.
ولازدياد الخوف لدى الاطفال اسباب. منها:
- تخويف الام ولدها بالأباح او الظلام او المخلوقات الغريبة.
- دلال الأم المفرط وقلقها الزائد وتحسسها الشديد.
- تربية الولد على العزلة والانطوائية والاحتماء بجدران المنزل.
- سرد القصص الخيالية التي تتصل بالجن والعفاريت.
ولعلاج هذه الظاهرة في الاطفال تجب مراعاة هذه الأمور:
- تنشيئة الولد على الإيمان بالله والعبادة له والتسليم لجنابه في كل ما ينوب ويروع. قال الله تعالى {إِنَّ الْإنسان خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)}[المعارج/19-23]
- اعطائها حرية التصرف وتحمل المسؤولية وممارسة الأمور على قدر نموه.
- عدم اخافة الولد ليتتحر من شبح الخوف وينشأ على الشجاعة.
- تمكين الطفل منذ أن يعقل بالخلطة العملية بالاخرين ليشعر الطفل من قرارة وجدانه أنه محل عطف ومحبة واحترام.قال الرسول صلى الله عليه وسلم « المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف »(27).
- تلقينهم مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وتأديبهم على التخلق بأخلاق العظماء من الصحابة والتابعين. ليتطبعوا على الشجاعة وحب الجهاد.
3. الشعور بالنقص: هي حالة نفسية تعتري بعض الأولاد لأسباب خلقية ومرضية او عوامل تربوية او ظروف اقتصادية وهي من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه وتحوله الى حياة الرذيلة والشقاء والاجرام.
والعوامل التي تسبب الشعور بالنقص في حياة الولد منها:
التحقير والإهانة: منها مناداة الولد بكلمات نابية وعبارات قبيحة أمام الاخوة والاقاريب. فهو من اكبر العوامل في انحراف الولد وفي ترشيخ الشعور بالنقص.
واذا ارتكب الولد الذنب فلا تصلح المعالجة بالحالة الغضبية والطريقة التعفيفة، لأنها تترك اثارا خطيرا في نفسية الولد وسلوكه الشخصي، لكن المعالجة الصحيحة أن ننبه على خطيئته برفق ولين، ونقنعه بالحجج الدامغة.
الدلال المفرط: لما يؤول في الغالب الى استشعاره بمركب النقص ونظرته الحاقدة الى الحياة. وهو يولد ذلك للاعتبارات منها : أنه يرى الناس يتقدمون وهو في ذيل القافلة، ويرى الناس في اقدام وشجاعة وهو في خوف وجبن وغير ذلك.
المفاضلة بين الأولاد: سواء كان في الإعطاء او المعاملة او المحبة. لأنها تورث الحسد والكراهية ويؤدي الى الاصابية ومراكبة الشعور بالنقص. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أولادكُم»(28). وقد يكون ذلك لعدم محبة الطفل لكونه من الجنس غير المرغوب فيه او له قليل الحظ من الجمال او غيره. ولكن إذا كان المربون حريصين على سلامة ابنائهم من العقد النفسية ومركبات الشعور بالنقص وأفات القلوب من حقد وحسد، فليس أمامهم من سبيل إلا أن يرضوا بما قسم الله لهم من معطيات البنين والبنات. وعليهم أن يسعوا في اشعار أولادهم جميعا روح المحبة والتسامح والمساوة حتى ينعموا في ظلال العدل الشامل.
العاهات الجسدية: فهو من العوامل الكبيرة في انحراف الولد النفسي لما يؤول في الغالب الى الشعور بالنقص والنظرة الحاقدة للحياة. فينبغي أن يلقى ممن يعيشون حوله كل رعاية وعطف ومحبة وأخلاق سمحة رضية. فعلى المربين أن يعالجوا مشكلة عاهات أبناؤهم بالاسلوب الحكيم والمراقبة التامة على أساس أن قيمة الإنسان في دينه وأخلاقه لا في شكله ومظهره.
وهو على ثلاث خطوات:
1. أن ينظروا اليهم نظرة الرحمة وأن يشعروهم أنهم متميزون عن غيرهم بالمواهب . فهذه النظرة والإشعار اليهم يزيل في نفوسهم آفة الشعور بالنقص بل يندفعون بكليتهم.
2. أن يقوموا بواجب النصح والتحذير لكل من كان حول المصاب من خلطاء، حيث يحذرونهم مغبة التحقير والإهانة وأن يبينوا لهم منهج الرسول في الدعوة الى وحدة إجتماعية متينة متراصة تقوم دعائمها على الصفاء والمحبة. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمان وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الحجرات/11]
3. أن يهيؤوا لأولادهم المصابين رفقة من الاصحاب حسنة آدبهم مرضية إجتماعهم حيث يجتمعون بهم ويتابدلون أحادث المحبة فيما بينهم ليشعروا في اعماق وجدانهم محبة الناس لهم.
وبهذا، يكون قد أزال من نفسه عقدة الشعور بالنقص وهيأه ليكون عضوا نافعا في المحتمع.
اليتم: فهو عامل خطير في انحراف الولد النفسي، لاسيما اذا وجد اليتيم في بيئة لاترعاه ولاتنظر اليه بعين الرحمة والمحبة. والإسلام اهتم بشأن اليتيم الاهتمام البالغ من ناحية تربيته ومعاملته. قال تعالى: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى/9]. ورعاية اليتيم وكفالته واجبة في الاصل على الارحام والاقرباء فعلى هؤلاء إن ارادوا أن يعالجوا احوال اليتامى فما عليهم الا أن يخصوهم بمزيد من الرحمة والعطف والعناية وأن يشعروهم أنهم كأولادهم حبا وملاطفة. حتى لا يشعرون بنقص ولا يتيهون في لجة الهواجس والافكار المنحرفة.
الفقر: فهو عامل كبير في انحراف الولد ويقوي هذا الإنحراف فيه حين يفتح عينيه ويرى اباه في ضائقة واسرته في بؤس وحرمان ويزداد الامر لديه سوءا حين يرى بعض أقربائه او ابناء جيرانه او رفقائه في المدرسة وهم في احسن حال واكمل نعمة وهو كئيب حزين لايكاد يجد اللقمة التي تشبعه والثوب الذي يستره.
والإسلام عالج مشكلة الفقر بأمرين:
1. احترامه الكرامة الإنسانية:
لأن الإسلام سوى بين جميع الاجناس والالوان في الاعتبار والكرامة الإنسانية، واذا كان لابد من المفاضلة فلتكن بالتقوى. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات/13]
2. سنه لمبادئ التكافل الاجتماعي منها:
• أنه شرع بيت مال للزكاة وجعل مصارفه على المستحقين من الفقراء والمساكن وغيرهما. قال تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة/60]
• أنه جعل اسعاف الجائع والمحروم في وقت الشدة من أهم الواجبات. قال النبي صلى الله عليه و سلم «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس»(29).
• أنه اوجب على الحاكم أن يهيئ سبيل العمل لكل من كان قادرا عليه: وقد روى ابو داود « أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه و سلم يسأله فقال " أما في بيتك شىء ؟ " قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال " ائتني بهما " قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده وقال:« من يشتري هذين ؟ » قال رجل: "أنا آخذهما بدرهم" قال: « من يزيد على درهم ؟ » مرتين أو ثلاثا قال رجل: « أنا آخذهما بدرهمين » فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: « اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به » فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عودا بيده ثم قال له: « اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما » فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع ( الفقر الشديد ) أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع»(30).
واذا تتضافر جهود الدولة وجهود المجتمع والافراد في حل مشكلة الفقر فلا يبقى في المجتمع الإسلامي فقير ولا محتاج. وتنعم الأمة الإسلامية بظلال الامن والرفاهية.
4. الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن الغير، وهو ظاهرة إجتماعية خطيرة ان لم يعالجها المربون في اطفالهم ستؤدي حتما الى أسوأ النتائج وأخطر الاثار. والاسباب التي تؤجج نار الغيرة والحسد تتركز في الأمور التالية:
• خوف الطفل أن يفقد بين أهله بعض امتيازاته، ولا سيما عند مقدم مولود جديد.
• المقارنة السيئة بين الأولاد كوصف أحدهم بالذكاء والآخر بالغباوة.
• الاهتمام بأحد الأولاد دون الآخر.
• الاغضاء والتسامح عن ولد محبوب، يؤذي والترصد بالعقاب لولد آخر تصدر منه أدنى اساءة.
• وجود الولد في بيئة غنية مترفة وهو في فقر شديد وحالة من العيش سيئة.
الى غير ذلك من هذه الاسباب التي يؤذي الى أسوء الاثار في شخصية الطفل.
والإسلام قد عالج ظاهرة الحسد بمبادئ تربية ظاهرة حكيمة.منها:
• اشعار الطفل بالمحبة. ومن المعلوم أن الأخذ بالاحتياطات اللازمة للحيلولة دون اشتداد الحسد عند مقدم طفل جديد من أهم ما ينبغي أن يعتني المربون بأن تبدأ هذه الاحتياطات قبل عدة اشهر من الولادة كتغيير سرير الطفل الاكبر. ولا بأس بالسماح للأخ الكبير المساعدة في شؤون الطفل الجديد وبأن يلاعب او يداعب اخاه الصغير ولكن مع شيئ من المراقبة مخافة ايذائه.
• تحقيق العدل بين الأولاد: ومن المعلوم أن المربين حين يسوون بين الأولاد في المعاملة والعطاء تتلاشى ظاهرة الحسد في نفوسهم بل تعيش الأبناء مع اخوتهم ومربيهم في تفاهم تام.
5. الغضب: وهو حالة نفسية وظاهرة انفعالية يحس بها الطفل في الايام الاولى من حياته وتصحبه في جميع مراحل العمر الى الممات. وما دامت الغضب خلقا متأصلا في الإنسان منذ ولادته. فمن الخطاء أن نعد الغضب من الطواهر المستقبحة والحالات الانفعالات السيئة، لأن الله تعالى لما خلق الإنسان وركب فيه الغرائر والميول كان ذلك لحكمة بالغة. فمن فائدة الغضب المحافظة على النفس والدين والوطن ولولا هذه لما ثار المسلم اذا انتهكت محارم الله او امتهن دينه.
والمراد بالغضب المذموم هو الذي يؤذي الى أسوؤ الآثار وأوخم العواقب، وذلك حين الانفعال والغضب من أجل البواعث الانانية لأن فيه تمزيق للوحدة وتصديع للجماعة. قد اخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم أوصني قال « لا تغضب » . فردد مرارا قال: « لا تغضب »(31).
وإن خير علاج تقدمه لمعالجة الغضب في الولد تجنيبه دواعي الغضب واسبابه حتى لايصبح له خلقا وعادة.
ومن العلاج الناجع في معالجة الغضب لدى الطفل تعويده على المنهج النبوي في تسكين الغضب. منها:
1. تغيير العادة التي يكون عليها الغضبان: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع »(32).
2. اللجوء الى الوضوء: قال صلى الله عليه وسلم: « إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء فإنما الغضب من النار»(33).
3. اللجوء الى السكوت: قال النبي صلى الله عليه وسلم « إذا غضب أحدكم فليسكت »(34).
** التربية الإجتماعية **
المقصود بالتربية الإجتماعية تأديب الولد على التزام اداب إجتماعية فاضلة وأصول نفسية ليظهر الولد في المجتمع على خير ما يظهر به من حسن التعامل والآدب والتصرف الحكيم.
ومن الثابت تجربة وواقعا أن سلامة المجتمع وقوة بنيانه وتماسكه مرتبطان بسلامة افراده واعدادهم. ومن هنا كانت عناية الإسلام بتربية الأولاد اجتماعيا وسلوكيا حتى اذا تربوا يتلقبون على مسرح الحياة اعطوا الصورة الصادقة عن الإنسان الانضباطي المتزن العاقل الحكيم.
واذا كان لكل تربية وسائل يسير المربون عليها، فالوسائل العملية التي تؤدي الى تربية إجتماعية تتركز في امور اربعة:
1. غرس الأصول النفسية:
ولغرس هذه الأصول النفسية اصدر الإسلام التوجيهات القيمة لتتم التربية الإجتماعية على انبل المعنى. واما اهم هذه الأصول النفسية التي يسعى الإسلام لغرسها هي:
- التقوي: وهي نتيجة حتمية وثمرة طبيعية للشعور الإيماني العميق الذي يتصل بمراقبة الله تعالى والخشية منه. وقد كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: « التقوى ههنا » وأشار إلى القلب(35).
- الاخوة: هي رابطة نفسية تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام مع كل من تربطه. قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات/10]
- الرحمة: هي رقة في القلب وحساسية في الضمير وارهاف في الشعور تستهدف الرأفة بالآخرين والعطف عليهم قال صلى الله عليه وسلم: « لا تنزع الرحمة إلا من شقي »(36).
- الايثار: وهو شعور نفسي يترتب عليه تفضيل الإنسان غيره على نفسه في الخيرات والمصالح الشخصية النافعة. والايثار خلق نبيل اذا قصد به وجه الله كان من أول الأصول النفسية على صدق الإيمان وطهارة النفس.
- العفو: وهو شعور نفسي نبيل يترتب عليه التسامح والتنازل عن الحق مهما كان المعتدي ظالما وجائرا بشرط أن يكون المعتدي عليه قادرا على الانتقام وان لا يكون الإعتداء على كرامة الدين. قال تعالى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة/237]
2. مراعة حقوق الاخرين:
أن مراعاة حقوق المجتمع متلازمة كل التلازم مع الأصول النفسية النبيلة بل بعبارة اوضح أن الأصول النفسية روح ومراعاة حقوق المجتمع جسم، فلا يمكن استغناء الاولى عن الثانية بحال، والا كان الخلل والفوضي والاضطراب.
واعلم أن أهم هذه الحقوق الإجتماعية التي يجب أن نرشد الولد اليها هي:
• حق الابوين: اي ببرهما وطاعتهما والاحسان اليهما. قال تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }[الإسراء/24]. ويقدم الام على الاب لأن الام تعاني بحمل الولد وولادته وتربيته اكثر مما يعانيه الاب. ولأن الام بما جبلت اليه أكثر رحمة وعناية واهتماما من الاب. فالولد قد يتساهل في حق أمه عليه لما يرى من ظواهر عطفها لهذا جاء الإسلام موصية الولد بأن يكون أكثر برا بها.
واذا كان الولد منذ الصغر يقوم بهذا الحق على الوجه الصحيح الذي يريده الإسلام فإن قيامه بالحقوق الاخرى يكون أرغب وآكد، لأن فضيلة بر الوالدين هي منبع الفضائل الإجتماعية.
• حق الارحام: هم ممن ترتبط بهم بصلة القرابة والنسب، وهو بإحترام كبيرهم ورحم صغيرهم وكف دموع الحزن عن مصابهم ومد يد الاحسان الى مكروبهم وفقيرهم. قال تعالى { وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}[الإسراء/26]
• حق الجار:هو كل مجاور لك عن اليمين والشمال الى اربعين دارا، لهم عليك حقوق وعليهم لك واجبات. وحقوق الجار هي:
1. كف الاذى عن الجار: والاذى انواع منها: الزنى، والسرقة والسباب وانتهاك الحرمة والنظر اليه بعين الاحتقار. قال النبي صلى الله عليه و سلم « والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن » . قيل ومن يا رسول الله؟ قال « الذي لا يأمن جاره بوائقه »(37).
2. حماية الجار: وهي وكف الظلم عنه أثر من آثار طهارة النفس بل مكرمة من أنبل المكارم الخلقية في الإسلام، ومما ينبه لشرف همة الرجل نهوضه لإنقاض جاره من مصيبة نالته. والاصل فيها قول رسول الله صلى الله عليه و سلم « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة »(38).
3. الاحسان الى الجار: لا يكفي المرء في حسن الجوار أن يكف أذاه عن الجار او يدفع عنه يدا طاغية بل يدخل في حسن الجوار أن يجامله بنحو التعزية عند المصيبة والتهنئة عند الفرح والعياذة عند المرض وعلى العموم أن يواصله بما استطاع من اكرام. قال تعالى { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ إيمانكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء/36]
4. احتمال اذى الجار: بأن يتجاوز عن أخطائه ويتغاضى عن هفواته ويتلقى كثيرا من اساءاته بالصفح والحلم ولا سيما اساءة صدرت من غير قصد او ندم عليها وجاء معتذرا فيها. قال تعالى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت/34]
وتخليق الولد على هذه الأصول الاربعة في حقوق الجوار لايتم الا بشيئين:
1. تلقينها شفويا في المناسبات وغير المناسبات.
2. تطبيقها عمليا مع من كان من سنه من ابناء الجيران.
• حق المعلم: قد وضع الإسلام امام المربين توجيهات في اكرام العلماء واجلال المعلمين ليعلم الناس فضلهم ويلتزم التلاميذ الآدب معهم. منها:
1. إن ينقاد لشيخه في أموره، ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاوره فيما يقصده، ويتحرى رضاه فجما يعتمده، ويبالغ في حرمته ويتقرب إلى الله بخدمته، ويعلم إن ذله لشيخه عز، وخضوعه فخر، وتواضعه له رفعة. أخذ ابن عباس رضي الله عنه، مع جلالته وقرابته من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلو مرتبته، بركاب زيد بن ثابت الأنصاري، وهو ممن أخذ عنه ابن عباس العلم، وقال: هكذا أمرنا إن نفعل بعلمائنا
2. إن ينظره بعين الإجلال ويعتقد فيه درجة الكمال، ويوقره ويعظمه، فإن ذلك أقرب إلى نفعه به، قال بعضهم حسن الآدب ترجمان العقل ومراعاة الآدب، فيما بين المحققين مقدم على غيره، ألا ترى كيف مدح الله أهله وشرف محلهم، بقوله: (إن الذين يغضون أصواتهم عن رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم). وينبغي إن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بعد، بل يقول: يا سيدنا ويا مولانا ونحو ذلك،
3. أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، فعن أبي إمامة الباهلي مرفوعاً: من علًم عبداً آية من كتاب الله فهو مولاه. ومن ذلك، إن يعظم حضرته ويرد غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس، وينبغي أن يدعو له مدة حياته، ويرعى ذريته وأقاربه وأولاده بعد وفاته، ويتعاهد زيارة قبره، والاستغفار والصدقة عنه، ويسلك في الهدى والسمت مسلكه، ويتأدب بآدابه، ولا يدع الاقتداء به.
4. أن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الآدب، كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ، أو متربعاً بتواضع وخضوع وسكون، وخشوع، ويصغي إلى الشيخ ناظراً إليه
5. أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه، أو سوء خلق، ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر إن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار، والتوبة مما وقع والاستغفار، وينسب الموجب إليه، ويجعل العتب فيه إليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته
6. أن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا بالاستئذان، سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره. ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الشيخ به، فلا يزيد في الاستئذان وينبغي إن يدخل على الشيخ كامل الهيئة، متطهر البدن والثياب، نظيفهما، بعدما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر، وقطع رائحة كريهة، لا سيما إن كان يقصد مجلس العلم فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة
7. إذا سمع الشيخ يذكر حكماً في مسألة أو فائدة مستغربة أو يحكي حكاية، أو ينشد شعراً وهو يحفظ ذلك، أصغى إليه إصغاء مستفيد له في الحال كأنه لم يسمعه قط، قال عطاء: إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه، فأريه من نفسي أني لا أحسن منه شيئاً
• حق الرفيق: من الأمور الهامة التي يجب أن يلحظها المربون في الولد اختيار الرفيق المؤمن والجليس الصالح، لما له من تأثير كبير في استقامة الولد وصلاح أمره وتقويه أخلاقه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم « مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة » متفق عليه. ومن هذا كله وجب على المربين أن ينتقي للولد الزمرة الصالحة من الرفقاء من سنه يختلط بهم ويعينوهم اذا احتاجوا، وهذا ينمي في الولد النزعة الإجتماعية التي فطر عليها.
وأهم حقوق المصاحبة هي:
1. السلام اذا لقيه: « من لقى أخاه عند الانصراف من الجمعة فليقل تقبل الله منا ومنك »(39).
2. عيادته اذا مرض:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خمس من حق المسلم على المسلم : رد التحية ، وإجابة الدعوة ، وشهود الجنازة ، وعيادة المريض ، وتشميت العاطس إذا حمد الله ، عز وجل »(40).
3. تشميته اذا عطس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل الذي يرد عليه: يرحمك الله ، وليقل هو : يهديكم الله ويصلح بالكم »(41).
4. زيارته في الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ، ناداه مناد طبت ، وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا »(42).
5. إعانته وقت الشدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عز وجل عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة »(43).
6. اجابة دعوته اذا دعاه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خمس من حق المسلم على المسلم : رد التحية ، وإجابة الدعوة ، وشهود الجنازة ، وعيادة المريض ، وتشميت العاطس إذا حمد الله ، عز وجل »(44).
7. التهنئة بالاعياد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لقي أخاه عند الانصراف من الجمعة فليقل تقبل الله منا ومنك فإنها فريضة أديتموها إلى ربكم »(45).
8. المهادة في المواسم والمناسبات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا نساء المؤمنين تهادين ولو فرسن شاة فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن »(46).
• حق الكبير: وهو من كان اكبر منك سنا واكثر منك علما وارفع تقوى ودينا واسمى جاها وكرامة ومنزلة. ويجب على الناس ان يعرفوا لهم فضلهم ويقوموا بواجب احترامهم امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: « ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه »(47).
ومن حقوقه:
1. انزال الكبير منزلته اللائقة به:كأن يستشار في الأمور ويقدم في المجلس ويبدأ بالضيافة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم « أنزلوا الناس منازلهم »(48).
2. البدئ بالكبير بالأمور كلها: كأن يقدم الكبير على الصغير في الجماعة وفي التحدث وفي الأخذ والاعطاء. لما روى مسلم عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم مناكبنا في الصلاة ، يقول : « لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليلني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونكم ، ثم الذين يلونكم»(49).
3. الترهيب من استخفاف الصغير من الكبير: كأن يهزأ منه ويوجه كلاما سيئا اليه ويسئ الآدب في حضرته، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمام مقسط »(50).
ولهذا يجب على المربين أن يخلقوا أولادهم ويأمروهم بهذه الأمور:
أ. الحياء:وهو خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق الكبير ويدفع الى اعطاء ذي الحق حقه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « يا عائشة لو كان الحياء رجلاً لكان رجلاً صالحًا ، لو كان البذاء رجلاً لكان رجل سوء » .
ب. القيام للقادم: كالضيف او المسافر. وهو ادب اجتماعي نبيل يجب أن يؤمر الولد به. قال النبي صلى الله عليه و سلم « قوموا إلى سيدكم أو خيركم »
ت. تقبيل يد الكبير: لأن لها أثر كبير في تعليم الولد التواضع والاحترام وانزال الناس منازلهم.عن جدها أن جدها الوازع بن عامر قال : قدمنا فقيل ذاك رسول الله فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها ولكن على المربين أن بنتبهوا الى ألا يغالوا في ذلك وألا يزيدوا عن الحد الذي أمر به الشرع.
3. التزام الآدب الإجتماعية:
لاشك ان هذه الآدب الإجتماعية مرتبطة كل الارتباط بمبحث " غرس الأصول النفسية ". لأن التعامل الاجتماعي او التزام الآدب العامة حينما يقوم على عقيدة الإيمان والتقوى, ومبادئ الاخوة ومكارم الاثار.
وان لهذا المنهج خطوط عريضة, وهي ما يلي:
• ادب الطعام والشراب
أ. غسل اليدين قبل الطعام وبعده.
عن سلمان الفارسي قال : قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : « بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده »(51).
ب. التسمية في أوله والحمد في آخره.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره »(52).
ت. الا يعيب طعاما قدم اليه.
عن أبي هريرة قال: « ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه »(53).
ث. أن يأكل بيمينه ومما يليه.
من عمر بن أبي سلمة قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي « يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك»(54).
ج. الا يأكل متكئا.
عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا آكل متكئا»(55).
ح. يستحب التحدث على الطعام.
عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل به ويقول: « نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل»(56).
خ. الا يستهتر بالنعمة.
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال وقال: « إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة قال: « فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة »(57).
أما ادب الشراب فهو كما يلي:
أ. استحباب التسمية والحمد والشرب ثلاثا.
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم »(58).
ب. كراهية الشرب من فم السقاء.
عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء(59).
ت. كراهية النفخ في الشراب.
عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء(60).
ث. استحباب الشرب والاكل في حال الجلوس.
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائما(61).
ج. النهي عن امتلاء المعدة في الاكل والشرب.
المقدام بن معد يكرب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس»(62).
• ادب السلام:
يجب على المربي ان يعلم أولاده أن الشرع امر بالسلام ويعلمه كيفة السلام وأدبه. وعلى المربي ان يبدأ الأولاد بالسلام. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم(63).
• أدب الاستئذان
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ إيمانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 58/59]
وللاستئذان آداب وهي:
أ. ان يسلم ثم يستأذن.
عن رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أألج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له فليقل السلام عليكم أدخل قال فسمعته يقول ذلك فقلت السلام عليكم أدخل قال فأذن أو قال فدخلت(63).
ب. ان يعلن عن اسمه او صفته او كنيته.
عن جابر بن عبد الله قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال من هذا قلت أنا قال أنا أنا كأنه كرهه(64).
ت. ان يستأذن ثلاث مرات.
عن أبي موسى الأشعري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع »(65).
ث. ان لا يدق الباب بعنف.
وهو يدل على المبالغة في الاخترام والآدب وهو حسن لمن قرب محله من بابه, وما من بعد عن الباب فيقرع بحسب ما يحصل به المقصود. واما اذا كان على الباب جرس فيقرع المستأذن بقرعة خفيفة لطيفة لتدل على لطفه وكرم أخلاقه ومعاملته.
ج. ان يتحول عن الباب عند الاستئذان.
مظنة وقوف امرأة أجنبية اثناء فتح الباب, والاستئذان شرع من اجل النظر.عن عبد الله بن بشر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تأتوا البيوت من أبوابها ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فان أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا »(66).
• أدب المجلس:
للمجلس آداب وهي:
أ. أن يصافح من يلتقي بهم في المجلس:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء»(67).
ب. أن يجلس في المحل الذي يخصصه رب المحلس:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ومن دخل دار قوم فليجلس حيث أمروه، فإن القوم أعلم بعورة دارهم »(68).
ت. ان يجلس في محاذاة الناس لا في وسطهم:
لأنه اذا جلس في الوسط استدبر بعض الناس بظهره فيؤذيه بذلك ويسبونه ويلعونه.
ث. ان لا يجلس بين اثنين الا بإذنه:
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ))(69).
ج. ان يجلس القادم حيث ينتهي به المجلس:
عن جابر بن سمرة قال: كنا إذا جئنا إليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي(70).
ح. الا يتسار اثنان في حضرة ثالث في المجلس:
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه ))(71).
خ. ان يستأذن قبل انصرافه من المجلس:
لأن الاستئذان جعل لأجل النظر سواء كان في ا لدخول او في انصراف.
• أدب الحديث
أ. التمهل بالكلام اثناء الحديث:
لأن يفهم المستمع المراد منه ويعقل مغزى الحديث ويتدبره. روي عن عائشة أنها قالت ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم(72).
ب. عدم التكلف في الفصاحة:
عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة محاسنكم أخلاقا ، وإن أبعدكم مني وأبعضكم إلي مساويكم أخلاقا : الثرثارون المتشدقون المتفيهقون»(73).
ت. المخاطبة على قدر الفهم:
وفي مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: (( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)).
ث. التحدث بما لايخل ولايمل:
ليكون الحدبث اوقع في نفوس السامعين وأشوق الي قلوبهم. عن الحكم بن حزن ، أنه شهد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقام متوكئا على عصا أو قوس ، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات(74).
ج. الاصغاء التام الى التحدث:
ليعي السامع ما يقول ويستوعب ما يحدث، فكان الصحابة حينما يحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بحديث كأن على رؤسهم الطير. من فرط المهابة وشدة الاهتمام.
ح. اقبال المتحدث على الجلساء جميعا:
عن عمرو بن العاص قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على شر القوم يتألفه بذلك وكان يقبل بوجهه وحديثه على حتى ظننت أني خير القوم(75).
خ. مباسطة الجلساء اثناء التحدث وبعده:
عن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم(76).
• أدب المزاح
ما اجمل المسلم في الحياة حينما يجمع مع الجد روح الدعابة وفكاهة الحديث وطرافة الحكمة. حتى اذا خالط الناس واجتمع بهم رغبوا به والتقوا حوله.
ولكن للمسلم أن ينطلق في المرح والمزاح والمداعبة مع مراعة آدب وضوابط. وهي:
أ. عدم الاكثار منه والافراط منه:
لأن الاكثار منه يخرج المسلم عن مهمته الاساسية ويورث اماتة للقلب وللعداوة وتجربي للصغير على الكبير. قال عمر رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزح استخف به.
ب. عدم الاذى فيه والاساءة لأحد:
عن عامر بن ربيعة أن رجلاً أخذ نعل ردل فغيبها وهو يمزح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم. رواه الطبراني
ت. تجنب الكذب وقول الزور:
كثير من يصدرون المجالس ويمزحون يلفقون القصص المضحكة والحكاية المثيرة لإضحاك الناس ولا شك ان هذه التلفيقات من الكذب الزور. عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقا »(77).
• أدب التهنئة
أن تهنئة المسلم وملاطفته وادخال السرور عليه هو اعظم القربات في نظر الإسلام بعد الفرائض بل هو من موجبات المغفرة والطريق الى الجنة. روي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله يوم القيامة »(78).
وللتهنئة آدب منها:
أ. اظهار الفرح والاهتمام في مناسبة التهنئة:
لما جاء في الصحيحين في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه.
ب. التلفظ في المناسبة بعبارات لطيفة وادعية مأثورة:
السنة التبوية ارشدتنا الى كلمات بالتهنئة لطيفة وجمل من الدعاء رقيقة وظريفة. منها:
يستحب ان يقال لمن ولد له مولود " بورك لك بالموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ اشده" وان يرد المهنئ " بارك الله لك وبارك عليك ورزقك الله مثلك "
ويستحب ان يقال لمن قدم من سفر " الحمد لله الذي سلمك وجمع الشمل بك واكرمك"
ويستحب ان قال لمن قدم من الحج " قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك"
ويستحب ان يقال لكل من الزوجين بعد النكاح " بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "
ويستحب ان يقول المسلم للمسلم بعد صلاة العيد " تقبل الله منا ومنك "
ت. المهادة مع التهنئة:
عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تهادوا تحابوا ، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا ، وأقيلوا الكرام عثراتهم »(78).
• أدب عيادة المريض
من الاداب الإجتماعية الهامة عيادة المريض لتتأصل في النفس ظاهرة المشاركة الوجدانية وظاهرة التحسس بآلم الآخرين. من أجل هذا أمر الإسلام بعيادة المريض: عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض وتشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعي واتباع الجنائز(79).
ولعيادة المريض آداب منها:
أ. المسارعة الى عيادته:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم « إذا مرض فعده »(80).
ب. تخفيف العيادة او اطالتها على حسب المريض:
لأن الطالة قد يشغله. كما قيل " زر غبا تشدد حبا "
ت. الدعاء للمريض عند دخول عليه:
عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما(81).
ث. سؤال اهل المريض عن حاله:
عن ابن عباس قال خرج علي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فقالوا كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا حسن فقال أصبح بحمد الله بارئا(82).
ج. قعود العائد عند رأس المريض:
عن بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد المريض جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه ذلك(82).
• أدب التعزية
ومعنى التعزية تصبير اهل الميت بكلمات لطيفة او بعبارات مأثورة تخفف حزن المصاب. وهي مستحبة. قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة»(83).
ولها أداب منها:
أ. التلفظ بالمأثور
عن أسامة بن زيد قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب(84).
ب. اظهار التأسي لمن يعزيهم:
وذلك بالتخشع عند الانصات الى القرأن الكريم والتلفظ بألفاظ التعزية المأثورة. قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة ما أخرجك من بيتك يا فاطمة قالت أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم(85).
4. المراقبة والنقد الاجتماعي:
ويجب على المربين تعويد الولد منذ نشأته على واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من قواعد الإسلام الاساسية في حرايسة الرأي العام وفي محاربة الفساد والإنحراف.
والأصول المراحل في تكوين الولد على النقد الاجتماعي هي:
1. حراسة الرأي العام وظيفة إجتماعية:
فرض الإسلام حراسة الرأي العام الذي يتمثل في الامر بالمعروف والتهي عن المنكر على مجموع الأمة على اختلاف أصنافها دون ان يكون بينها تمييز. قال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران/110]
2. الأصول المتبعة في هذه الحراسة:
والأصول المتبعة فيها هي:
أ. ان يكون فعله مطابقا لقوله.
قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف/2، 3]
وهذا ليقبل الناس قوله ويستجيبوا الى موعظته وارشاده.
ب. ان يكون المنكر مجمعا عليه.
بان يأخذ بالمبداء الذي يقول " نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" لأن من أخذ بهذه النصيحة بعين الاعتبار فيكون ممن ساهموا في وحدة الأمة وتماسكها.
ت. ان يكون متدرجا في إنكار المنكر.
والمبدأ المتبع في تغيير المنكر أنه لا يجوز أن يلجأ الى الاشد اذا كان ينفع الاخف. فعلى المنكر أن يكون حكيما عالما بالأصول المتبعة حتى لا يقع في عثرات.
ث. ان يكون لطيفا حسن الخلق.
من الصفات الكريمة فيها لين الجانب وحسن الخلق ليكون التأثير ابلغ والاستحابة اقوى. قال النبي صلى الله عليه وسلم « من امر بالمعروف فليكن بمعروف »(86).
ج. ان يكون صابرا على الاذى.
من البديهي أن يتعرض الداعية لأصناف الاذى وانواع الالم لما يلقاه. وهذا سنة الله في الانبياء والدعاة والمصلحين في كل زمان ومكان. قال تعالى { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت/2، 3]
فما اجدر الذين يحملون بأيديهم لواء الرسالة الإسلامية ويهدفون الى اقامة حكم الله في الارض وان يوطنوا نفوسهم على الصبر وان يتحملوا المشاق والاذى ان ارادوا نجحا على الايام مضمونا ونصرا المستقبل تحققا.
3. التذكير الدائم بمواقف السلف:
ومن العوامل التي ترسخ في المسلم خلق السجاعة وتهيب به حراسة الرأي العام عرض المواقف التاريخية التي وقفها السلف الصالح في تغييرالمنكر وتقويم المعوج.وهي ان احسن عرضها تركت افضل الاثر في نفوس الناشئة وفي عزائم الشباب.
** التربية الجنسية **
والمقصود بالتربية الجنسية تعليم الولد القضايا التي تتعلق بالجنس وتتصل بالزواج. وارى ان هذه التربية الجنسية تقوم على المراحل التالية:
• في سن ما بين 7-10 سنوات الذي يسمى بسن التمييز يلقن الولد فيه أداب الاستئذان وآداب النظر فيعلم ولده الصغير في آداب الاستئذان في اوقات الراحة والنوم لأن الولد يفاجأ باطلاع على حالة من تكشف العورات..
• وفي سن ما بين 10-14 سنة الذي يسمى بسن المراهق يجنب الولد فيه كل الاستئثارات الجنسية فيمنعه من الدخول على النساء الاجنبيات وهم في اجمل زينة ويمنع من البيت وجود التلفزون لخطر العظيم على الأخلاق وان يفرق بينهم في المضاجع. ويجب على المربي ان يجنب الولد من وسائل افساد الولد وهي كثيرة. منها:
1. مفسدة السينما او المسرح.
2. مفسدة ازياء النساء الفاضحة
3. مفسدة المواخر السرية والعلنية
4. مفسدة المضاهر الخليعة في المجتمع
5. مفسدة الصحبة السيئة
6. مفسدة الاختلاط بين الجنس.
فعلى المربي ان يقوم بدور التوعية تجاه أولاده حتى يعرفوا ما يخطط لهم الاعداء وما يبيته المتآمرون. والتحذير عن الزنى والاتصال الحرام والعلاقات المشبوهة من الخطر الخلقي والاجتماعي.وان يربطهم بروابط اعتقادية وروحية وفكرية وتاريخية.
• وفي سن ما بين 14-16 سنة الذي يسمى بسن البلوغ يعلم الولد فيه أداب الاتصال الجنسي اذا كان مهيا للزواح. ومنها كما ينصح عليه الاطباء واهل العلم هي:
1. أن يكون معتدلا في قضاء الشهوة واشباع الوطر، وحدود الاعتدال مرتان في كل اسبوع، وله أن يزيد او ينقص بحسب حاجته وحاجتها في الاعفاف والاحصان. ولكن عليه الا يفرط، لأن الكثرة تؤدي الى الاضرار بالجسم وتعطيل عن العمل.
2. الملاعبة والعناق والقبلة قبل أن يأتيها. لما قال النبي صلى الله عليه وسلم « لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة ، وليكن بينهما رسول » قيل وما الرسول يا رسول الله ؟ قال « القبلة والكلام »(87).
3. أن يتحين الزوج الوقت المناسب للوقاع، لأن مزاج المرأة حساس، واذا أتاها في وقت لا يتفق مع مزاجها فربما آل الامر الى الكره.
4. على الزوج قبل أن ينزع أن يراعي حال زوجته في الحصول على اللذة، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقاً إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها.
5. الجماع جائز في كل الشهور والاوقات والايام وفي كل ساعة من ليل او نهار الا ما حرمته الشريعة، ولكن من السنة الوقاع يوم الجمعة وليلته.
6. والجماع جائز أيضا بأي كيفية شاء ما دام الاتيان في الفرج. لقوله نعالى { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }[البقرة/223]
7. على الزوجة أن تراعي مزاج زوجها فيما يرغب من تزين وملاطفة ووقاع في أوقات مخصوصة. فلا يحل لها أن تقف دون رغبته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح »(87).
• وفي سن ما بعد البلوغ الذي يسمى بسن الشباب يعلم الولد فيه آداب الاستعفاف اذا كان لايقدر على الزواج. واما السبيل الى اجصان نفوسهم والحد من ثورة غرائزهم الجامعة هو ان يستجيبوا لدعوة القرأن الكريم في التمسك بحبل الاعفاف والتسامي. قال تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه }ِ [النور/33. ولهذا السبيل العناوين العريضة والاضافات الجديدة وهي:
1. الزواج في سن مبكرة
2. الاستمرار في صوم النفل
3. الابتعاد عن المثيرات الجنسية
4. ملء الفراغ بما ينفع
5. الرفقة الصالحة
6. الاخذ بالتعاليم الطيبية
7. غض البصر عن المحرمات
8. تقوية الوازع الديني.
فالتسامي هو ان تنفس عن نفسك بحهد روحي او عقلي او قلبي او جسدي يخرج هذه الطاقة الممحبوسة بالالجاء الى الله والاستغراق في العبادة او بالانقطاع الى العمل والانغماس في البحث.
الزواج هو العلاج الكامل فإن لم يمكن فالتسامي وهو مسكن مؤقت ولكنه مسكن قوي ينفع ولا يؤذي.
وسائل التربية المؤثرة
1. التربية بالقدوة
القدوة في التربية هي من أنجع الوسائل المؤثرة في إعداد الولد خلقيا وتكوينه نفسيا واجتماعيا. ذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل والأسوة الصالحة في عين الولد. ومن هنا كانت القدوة عاملا كبيرا في صلاح الولد او فساده، ومن اجل هذا كان الرسول المبعوث من قبله ينبغي أن يكون متصفا بأعلى الكمالات النفسية والخلقية والعقلية حتى يأخذ الناس عنه ويقتدوا به وينهجوا تهجه في المكارم والخلق العظيم.
وصل الإسلام الى هذه الامم بواسطة دعاة صادقين أعطوا الصورة الصادقة عن الإسلام في سلوكهم وأمانتهم، ثم أعقب ذلك بالموعظة الحسنة، فدخل الناس في دين الله أفواجا.
والحاصل ان القدوة هي من أعظم وسائل التربية ترسيخا وتأثيرا، فالطفل حين يجد من مربيه القدوة الصالحة في كل شيئ فإنه يتشرب مبادئ الخير ويتطبع على أخلاق الإسلام.
ولا يكفي أن يعطي المربي للولد القدوة الصالحة، بل ينبغي أن بربط ولده بصاحب القدوة عليه الصلاة والسلام. وذلك بتعليم مغازي المبي صلى الله عليه وسلم. وسيرته وأخلاقه.
وينبغي الا يغرب عن بال الابوين أن التركيز على إصلاح ولدها الأكبر هو من ابرز المؤثرات في اصلاح باقي الأولاد، لأن الولد الأصغر يحاكى عادة ما يفعله الأكبر بل ينظر اليه أنه المثل الأعلى في كل شيئ ويقتبس الكثير والكثير من صفاته الخلقية وعادته الإجتماعية. ولهذا وجب على الأبوين أن يركزوا جهودهم على الولد الأكبر ثم من يليه ليكونوا لمن بعدهم قدوة وللباقين من الأولاد اسوة.
2. التربية بالعادة
من الأمور المقررة أن الولد مفطور على التوحيد الخالص والدين القيم. قال تعالى {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الروم/30] ومن هنا يأتي دور التعويد والتأديب في نشأة الولد. ولا شك أن الولد اذا تيسر له عاملان ينشأ على الإيمان الحق ويتخلق الأخلاق الإسلام. وهما:
أ. عامل التربية الإسلامية الفاضلة
ب. عامل البيئة الصالحة
ومن الخطاء القادح أن يتوهم البعض أن الناس يولدون أخيارا او أشرارا لايمكن تغييره.
فعلى المربي أن يميز في إصلاح الفرد وتقويم اعوجاجه بين الكبار والصغار:
فمنهج الإسلام في إصلاح الكبار يعتمد على ثلاثة الأمور:
أ. الربط بالعقيدة
وهو من أعظم الأسس في استمرار المؤمن على مراقبة الله تعالى، وهذا من شأنه أن يقوي القوة النفسية والارادة الذاتية لدى الفرد المؤمن. ومن الأمور المسلمة أن الفرد المؤمن حين يقوي في نفسه جانب المراقبة لله تعالى وحين تتولد لديه الأرادة الذاتية للسيطرة على النفس الأمارة، فإن الفرد ينصلح من داخله ويقيم لأموره ميزانا من عقيدته وضميره.
ب. تعرية الشر
وهو من أعظم السبل في إقناع الكبار على ترك المنكر, وهي الطريقة التي اتبعها القرأن في إقناع الجاهلية بنبذ تقالدها وعادتها.
ت. تغيير البيئة
وهو اهم في اصلاح الفرد وتربيته واعداده. ولهذا أذن الله لرسوله الهجرة الى المدينة المنورة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الهجرة. وهذا من أجل التكوين والأعداد في بيئة صالحة لايباح في نوادها المنكر.
واما المنهج الإسلام في اصلاح الصغار يعتمد على شيئين:
أ. التلقين
ب. التعويد
ومن الأمور الهامة التي ينبغي أن يعلمها المربون في تأديب الولد على خصال الخير وتعويده على مكارم الأخلاق هو اتباع اسلوب التشجيع بالكلمة الطيبة حينا وبمنح الهدايا أحيانا وانتهاج اسلوب الترغيب تارة، وقد يضطر المربي في تعض الحالات ان يلجأ الى العقوبة الزاجرة إذا رأي فيها مصلحة الولد في تقويم الإنحراف والإعوجاج.
3. التربية بالموعظة
وهي من أهم وسائل التربية لأن فيها من اثر كبير في تبصير الولد حقائق الأشياء ودفعه الى معالي الأمور وتوعيته بمبادئ الإسلام.قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/37]
وطريقة القرأن في الموعظة تتميز بالاساليب التالية:
أ. النداء الإقناعي مصحوبا بالاستعطاف او الاستنكار.
وهذا الاسلوب له إيحاءاته المؤثرة على المشاعر وتأثيره البالغ في القلوب ، وهذا ظاهر واضح في مخاطبة القرأن لقلوب الناس وعقولهم على اختلاف أشكالهم وأجناسهم وطبقاتهم على ألسنة الانبياء والدعاة.
ب. الاسلوب القصصي مصحوبا بالعبرة والموعظة.
وهذا الاسلوب له تأثيرته النفسية ونطباعته الذهنية وقد استعمله القرأن في كثير من المواطن ولا سيما في أخبار الرسل مع أقوامهم، وقد من الله سبحانه على رسوله بأن قص عليه أحسن القصص ونزل عليه أحسن الحديث، ليكون للناس آية وعبرة وللرسول عليه الصلاة والسلام عزما وتثبيتا.
ت. التوجيه القرأني مصحوبا بالوصايا والمواعظ
القرأن الكريم ملئ بالآيات المصحوبة بالوصايا وبالنصوص المقرونة بالمواعظ لتوجيه القارئ الى ما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته. وللقرأن تأثيره البالغ على الأرواح والقلوب فحينما يسمع المسلم آيات الله تتلى يتخشع لها قلبه، لأنها تنزيل من حكيم حميد.
ومعلمنا الاول صلى الله عليه وسلم قد اهتم للنصيحة ووجه المربين والدعاة الى القاء الموعظة، عسى أن يتأثر بموعظته وإرشاده من كان له قلب. وله المنهج الأفضل والطريقة المثلى في القاء المواعظ. وهي:
أ. اسلوب القصة.
ب. اسلوب الحوار والاستجواب. وهو بطرح الاسئلة على اصحابه ليثير انتهابه ويتحركه ذكائهم.
ج. بدء الموعظة بالقسم بالله تعالى. وذلك لتنبيه السامع على أهمية المقسم عليه.
د. دمج الموعظة بالمداعبة. وذلك لتحريك الذهن وإذهاب الملل وتشويق النفس.
ه. الاقتصاد بالموعظة مخافة السامة.
و. الهيمنة بالتأثير الوعظى على الحاضرين.
ز. الموعظة بالضرب المثل.
ح. الموعظة بالفعل التطبيقي.
ط. الموعظة بانتهاز المناسبة لتكون ابلغ في التأثير وأفضل للفهم والمعرفة.
بعد أن علمت منهجية الإسلام، فما عليك الا أن تشحذ الهمة وتضاعف العزم في تنفيذ ما استوعبته من منهاجه حتى تري ولدك قد فتح قلبه للموعظة وخضع بكلته الى سنن الهدى والرشاد.
4. التربية بالملاحظة
المقصود به ملاحظة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ولا شك أن هذه التربية تعد من أقوى الأسس في إيجاد الإنسان المتوازن المتكامل الذي يؤدي كل ذي حق حقه في الحياة.لأن الولد دائما موضوع تحت مجهر الملاحظة والملازمة حيث المربي يرصد عليه جميع حركاته وأقواله وأفعاله واتجاهاته، فإن رأى خيرا أكرمه وشجعه عليه، وإن رأى منه شرا نهاه عنه وحذره منه وبين له عواقبه الوخيمة ونتائجه الخطيرة. وبمجرد أن يغفل المربي او يتغافل عن الولد فإنه سينزع الى الإنحراف ويتوجه نحو الزيغ والإنحلال.
والإسلام بمبادئه الشاملة وأنظمته الخالدة خص الأباء والأمهات والمربين جميعا الى أن يهتموا بملازمة أولادهم ومراقبة أفلاد أكبادهم في كل ناحية من نواحي الحياة. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[التحريم/6]
واعلم أن الملاحظة لم تقتصر على جانب او جانبين من جوانب الإصلاح في تكوين النفس الإنسانية، وانما ينبغي أن تشمل جميع الجوانب من إيمانية، وعقلية، وخلقية، وجسمية، وونفسية، وإجتماعية. حتى يعطى هذه التربية ثمارها في إيجاد فرد المسلم المتوازن المتكامل.
فمن ملاحظة الجانب الإيماني هي أن يلاحظ المربي ما يتلقنه الولد من مبادئ وأفكار واعتقادات على يد من يشرفون على توجيهه وتعليمه. وان يلاحظ ما يطالعه الولد من كتب ومجلات والى ما ينتمي اليه من أحزاب زمنظمات, فإن وجد في هذا الأحزاب الحادية فعلى المربي أن يحزم في منعها.
ومن ملاحظة الجانب الأخلاقي في الولد ظاهرة الصدق والامانة وحفظ اللسان في الولد، وان يلاحظ ايضا ظاهرة الخلق النفسي والأرادي في الولد. فإن وجد في الولد يقلد غيره تقليدا أعمى والظاهرة من التميع والانحلال فعليه ان يعالجه بالموعظة الحسنة حينا وبالتهديد احيانا وبالعقوبة تارة أخرى. وعليه أن يتبع كل سبيل في إنقاذه وإصلاحه.
ومن كلاحظة الجانب العقلي والعلمي أن يلاحظ المربي ظاهرة تحصيل الولد العلمي وتكوينه الثقافي وكذلك توعيته الفكرية من ناحية ارتباطه بالإسلام دينا ودولة، ولا يتاتى هذا الا بملازمة الولد وتوجيهاته الى قرائة الكتب الفكرية. وان يلاحظ ايضا الصحة العقلية في الولد بأن يجنب كل ما علو عقل الولد وذاكرته.
ومن ملاحظة الجانب الجسمي. ان يلاحظ في الولد النفقة الواجبة والقواعد الصحية التي أمر بها الإسلام من مأكل ومشرب ومنام.
ومن ملاحظة الجانب النفسي ان يلاحظ في الولد ظاهرة الخجل والخوف وغير ذلك من الصفات الذميمة.
5. التربية بالعقوبة
إن أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها تدور حول صيانة الضرورات الاساسية ( الضروريات الخمس ) التي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها. وفي سبيل المحافظة على ذلك وضعت الشريعة عقوبات زاجرة وأليمة لكل من يتعدى عليها. وهذه العقوبات اثنين، وهما:
أ. الحدود: وهي العقوبات المقدرة بتقدير الشرع تجب حقا لله.
ب. التعزيرهي عقوبات غير مقدرة تجب حقا لله او لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وهي كالحدود في الزجر والتأديب.
وأن الإسلام شرع هذه العقوبات لأجل تحقيق حياة هانئة رضية من الأمن والإستقرار.فلا يستبدى قوي بضعيف وإنما الكل أمام الحق سواء.
اما العقوبات التي ينتهجها المربون في البيت او الدرسة فإنها تختلف كما وكيفية وطريقة عن عقوبات عامة الناس.
والطريقة التي انتهجها الإسلام في عقوبة الولد هي:
أ. معاملة الولد باللين والرحمة هي الاصل:
لما روى البخاري « عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش»(88).
ب. مراعاة طبيعية الطفل المخطئ في استعمال العقوبة:
الأولاد يتفاوتون فيما بينهم ذكاء ومرونة زاستجابة, وكل ذلك يعود الى الوراثة والى مؤثرات البيئة والى عوامل النشأة والتربية.
فبعض الأطفال ينفع معهم النظرة العابسة للزجر والإصلاح وقد يحتاج طفل آخر الى استعمال التوبيخ في عقوبته، وقد يلجأ المربي الى استعمال العصا في حالة اليأس من نجاح اسلوب الموعظة واستعمال طريقة التوبيخ والتأديب. وعند كثير أنه لايجوز للمربي الى العقوبة الا عند الضرورة القصوى لإصلاح الاثر المطلوب في اصلاح الطفل وتكوينه خلقيا ونفسيا.
فعلى المربي أن يكون حكيما في استعمال العقوبة الملائمة التي تتفق مع ذكاء الطفل وثقافته كما عليه الا يلجأ الى العقوبة الا في مرحلتها الأخيرة.
ت. التدرج في المعالجة من الاخف الى الأشد:
ان هناك مراحل من المعالجة والتأديب يجب أن يمر عليها المربي قبل اللجوء الى الضرب لعلها تؤدي الغرض في تقويم اعوجاج الطفل. لأن المربي كالطبيب كما أن الطبيب لايجوز أن يعالج المرضى بعلاج واحد مخافة الضرر كذلك المربي لايجوز أن يعالج مشاكل الأولاد ويقون اعوجاجه بعلاج التوبيخ وحده مثلا، مخافة ازدياد الإنحراف عند البعض، او الشذوذ عند الآخرين. ومعنى هذا أن يعامل كل طفل المعاملة التي تلائمه ويبحث عن الباعث الذي ادى الى الخطاء.
والرسول عليه الصلاة والسلام قد وضع أمام المربين طرقا واضحة المعالم لمعالجة انحراف الولد. وهي:
الارشاد الى الخطاء بالتوجيه: من عمر بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال « لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك »(89).
الارشاد الى الخطاء بالملاطفة:
الارشاد الى الخطاء بالتوبيخ:
الارشاد الى الخطاء بالهجر:
الارشاد الى الخطاء بالضرب:
ولكن الإسلام حين أقر عقوبة الضرب فإنه أحاط هذه العقوبة بدائرة من الحدود وبسياح من الشروط. منها:
أ. ألا يلجأ المربي الى الضرب إلا بعد استنفاد جميع الوسائل التأديبية والزجرية.
ب. ألا يضرب وهو في حالة غضبية شديدة مخافة الحاق الضرر بالولد.
ت. أن يتجنب في الضرب الأماكن المؤذية كالرأس والوجه والصدر والبطن.
ث. أن يكون الضرب في المرات الأولى من العقوبة غير شديد وغير مؤلم.
ج. ألا يضرب الطفل قبل أن يبلغ العاشرة من السن.
ح. إذا كان الهفوة من الولد لأول مرة فيعطى له الفرصة أن يتوب عما اقترف، ويعتذر عما فعل.
خ. أن يقوم المربي في ضرب الولد بنفسه ولا يترك هذا الأمر لأحد من الأخوة حتى لا تتأجج بينهم نيران الاحقاد والمنازعات.
د. واذا ناهز الولد سن البلوغ والاحتلام ورأى المربي أن العشر ضربات غير كافية في الردع فله أن يزيد وله أن يكرر حتى يرى الولد قد استقام على الجادة.
القواعد الاساسية في تربية الأولاد
** صفات المربي الاساسية **
1. الاخلاص.
الاخلاص وهو في القول والفعل هو من اساس الإيمان ومن مقتضيات الإسلام. قال تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة/5] فعلى المربي أن يحرر النية ويقصد وجه الله في كل عمل يقوم به ليكون عند الله من المقبولين وبين أولاده من المحبوبين والمؤثرين.
2. التقوى
هو اتقاء عذاب الله بالمراقبة الدائمة لله والتزام المنهج الرباني في السر والعلن وبذل الجهد دوما لتحري الحلال واجتناب الحرام، ومن المؤكد حقا أن المربي اذا لم يكن متحققا بالتقوى وملتزما في سلوكه ومعاملته منهج الإسلام، فإن الولد يتشأ على الإنحراف ويتقلب في حمأة الفساد والانحلال. فعلى المربي أن يفهموا هذه الحقيقة إن أرادوا لأةلادهم او تلامذتهم الخير والهدى والإصلاح.
3. العلم
من المعلوم أن المربي ينبغي أن يكون عالما في أصول التربية ومحيطا بأمور الحلال والحرام وعلى دراية تامة بمبادئ الأخلاق. لأن العلم بهذا يجعله من المربي عالما حكيما يضع الاشياء في موضعها ويربي الولد على أصولها ومقتضاها. واما اذا كان المربي جاهلا فإن الولد يتعقد نفسيا وينحرف خلقياويضعف اجتماعيا.
ومن اجل هذا كان اهتمام الإسلام في الحض على العلم عظيما وكانت العناية في التكوين العلمي فائقة وكبيرة. قال تعالى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة/11]
4. الحلم
من الصفات الاساسيات في التربية هي صفة الاتزان والحلم فبها ينجدب الولد نحو معلمه ويستجيب لأقوال مربيه. من أحل هذا خص الإسلام على الحلم ورغب فيه في كثير من الايات. منها قوله تعالى { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران/134] فعلى المربي أن يتحلوا بالخلم والرفق والأناة إن أرادوا للأمة أصلاحها، وليس معنى هذا أن يسلك المربي دائما طريق الرفق والحلم، وإنما المراد أن يضبط المربي نفسه دونما غضب ولا انفعال في تقويم الاعوجاج. وإذا رأى من المصلحة معاقبته بعقوبة التوبيخ او الضرب مثلا فعليه ألا يتأخر عن معاقبته حتى ينصلح أمره.
5. الاستشعار بالمسؤولية
ومن الأمور التي يجب أن يدركها المربي استشعاره بمسؤوليته الكبرى في تربية الولد إيمانا وسلوكيا، وتكوينه جسميا واعداده عقليا واجتماعيا. هذا الاستشعار يدفعه دائما لأن ينطلق بكليته في مراقبة الولد وملاحظته. وعليه أن يعتقد أنه إذا غفل عنه فترة فإن الولد سيتدرج في الفساد خطوة خطوة.
لهذا كله نجد الإسلام حمل الأباء والأمهات والمربين جميعا مسؤولية التربية في أبعد حدودهاوفي أوسع مراميها. وحذرهم وأنذرهم أن الله تعالى مساءلهم يوم العرض عليه.
** الاولى قاعدة الربط **
من المؤكد يقينا أن الولد إذا ارتبط وهو في سن الوعي والتمييز بروابط اعتقادية وروحية وفكرية وتاريخية وإجتماعية فإن الولد يصبح عنده من مناعة الإيمان ويرد اليقين وحصانة التقوى.
وأهم الروابط التي تحقق الخير كل خير لولدك هي:
الربط الاعتقادي
إن الولد يجب أن يربط منذ تعقله بأركان الإيمان الاساسية والحقائق الغيبية، فإنك إذا عقمت في ولدك حقيقة الإيمان بالله ورسخت في قلبه وتصوره هذه المعالم الإيمانية، فإن ولدك يتشأ على المراقبة لله والخشية منه.
الربط الروحي
المراد به أن تتصف روح الولد بالصفاء والإشراق وأن يتفجر قلبه بالإيمان والإخلاص. وللإسلام منهجه في ربط المسلم بإرتباطات روحية متنوعة. منها:
أ. ربط الولد بالعبادة:
واعلم أن العبادة في الإسلام ليست مقصورة على الصلاة والصوم والزكاة والحج. وإنما تشمل كل عمل صالح يكون المسلم ملتزما فيه منهج الله ومبتغيا به وجه الله. ولهذا لزاما على كل مرب أن يبصر الولد وهو صغير مبادئ الخير والشر ومسائل الحلال والحرام ومعالم الحق والباطل حتى بفعل الولد ما يحل ويجتنب ما يحرم. وهذا التوجية من إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم للمربين.
فالولد حين يرتبط بالعبادة منذ نعومة أظفاره وحين يتربى كذلك على طاعة الله والتزاما منهجه عندئذ يكون الإنسان المتوازن المستقيم العامل المخلص.
ب. ربط الولد بالقرأن الكريم:
وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبياء الله وأصفيائه»(90).
واعلم أنه لايصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها. فإذا كان صلاح أول هذه الأمة بالقرأن تلاوة وعملا وتطبيقا فآخر هذه الأمة لاتصل الى مراتب الصلاح الا أن نربط أولادنا بهذا القرأن الكريم فهما وتلاوة وسلوكا وأحكاما. فاحرص أن تهيئ لأولادك من يعلمهم القرأن الكريم. فإذا فعلت هذا فالولد حين يفتح عينيه فلا يعرف مبدأ يعتقده سوى مبادئ القرأن الكريم، ولايعرف تشريعا سوى تشريع القرأن.
ت. ربط الولد ببيوت الله
اعلم أن المسجد في الإسلام من أهم الدعائم التي قام عليها تكوين الفرد المسلم وبناء المجتمع الإسلامي في جميع العصور السالفة عبر التاريخ. اذ بغير مسجد لايمكن أن تتربى ولدك روحيا وإيمانيا. ولهذا ينبغي أن يظل المسجد أبد الدهر إذا أراد المسلمون أن يبنوا في مجتمعاتهم الإسلامية في كل مكان القاعدة الصلبة المتينة وأن يكونوا خير الأمم قوة وعلما وحضارة.
فإذا حرصت على هذا الربط المستمر والصلة الدائمة بين البيت والمسجد فعندئذ تكون قد وصلت الى الغاية المرجوة في تكوين ولدك روحيا وإيمانيا وخلقيا.
ث. ربط الولد بذكر الله
لقوله تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة/152]
والذكر معناه استحضار عظمة الله في جميع الأحوال التي يكون عليها المؤمن سواء كان هذا الاستحضار ذهنيا او قلبيا او نفسيا او لسانيا او فعليا. فاسع جهدك على أن تربي ولدك على هاتيك المعاني من استخضار عظمة الله في نفسه ليخشاه في السر والجهر وفي كل مكان. ليكون من عداد أولئك الذين عناهم الله بقوله { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }[الأنفال/2]
ولا شك أن الولد إذا تأصلت نفسه على ذكر الله وترسخ قلبه على مراقبة الله نشأ الولد مختبتا عابدا ذاكرا صالحا مستقيما متزنا خلوقا.
الربط الفكري
والمقصود به ارتباط المسلم منذ أن يعقل بنظام الإسلام دينا ودولة وبتعاليم القرأن دستورا وتشريعا وبجيع حقائق الإسلام.
وهذه الحقائق كما يلي:
1. خلود هذا الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان لما يمتاز به من ومقومات الشمول والتجدد والاستمرار.
2. الأباء الأولون ما وصلوا الى ما وصلوا اليه من غزة وقوة وحضارة الا بفضل اعتزازهم بهذا الإسلام وتطبيقهم لأنظمة الإسلام.
3. الكشف عن الحضارة الإسلامية التي كانت وما زالت منارا للدنيا.
4. الكشف عن المخططات التي يرسمها أعداء الإسلام.
5. التذكير الدائم بأن أمة الإسلام لاتستعيد مكانتها وأن تصل الى ذروة العزة والمجد الا أن تتخذ الإسلام منهاجا وتشريعا، والقرأن الكريم دستورا وأحكاما.
6. التذكير الدائم أن هذا التخلف والتمزق والانقسام ما هو الا نتيجة بعد المسلمين عن الله وتعطيل الحكم بما أنزل الله.
هذه الحقائق يجب أن تلقنها أهلك وأولادك ليل ونهار وأن تطرق بها أسماعهم على الدوام حتى يندفع الجميع الى الإسلام بنفوس متوثبة متفائلة وهم عالية متينة وقلوب مؤمنة راسخة.
الربط الإجتماعي
المقصود به أن يسعى المربي جهده في ربط ولده ببيئة إجتماعية نظيفة صالحة، يكتسب منها التزكية لنفسه والأخلاق الفاضلة لسلوكه.
والبيئة الإجتماعية الصالحة متحققة في ارتباطات ثلاثة:
1. ربط الولد بالمرشد
لاشك أن الولد إذا اربط بعالم مرشد مخلص صالح فاهم للإسلام على حقيقته يكتمل إيمانا وخلقيا وينضح عقليا وعلميا. فالمرشد الرباني والعالم الواعي هو الذي يعطي القدوة الكاملة عن الإسلام فلا يجوز في دين الله أن يكتم علما او يسكت عن حق.والعلماء الربانين وأصحاب الطرق المخلصين هم الذين حملوا خلال العصور إمامة الدعوة الى الله ورسالة الإسلام الحقة الى الناس.
فعليك أن تبحث عن عالم مرشد رباني تجتمع فيه هذه الصفات وتكتمل في شخصيته هذه المفاهيم حتى إذا ارتبط به ولدك أعطاها التلقين الإسلامي الصحيح المتكامل ووجه فكره الى منهج الإسلام الشامل.
2. ربط الولد بالصحبة الصالحة
على المربي أن يلحظ في الولد ظاهرة التكامل بين الربط بالمرشد الرباني والصحبة الصالحة لأن التناقض ما بين التوجيهين يؤدي في أغلب الاحيان الى خطيرين بالغين:
- الازدياحية في التوجيه
والمراد به أن الولد الذي يتربى على يد مرشد رباني واع ثم يصاحب أناسا ليسوا على درجة من الوعي الإسلامي فالولد قد يتأثر بهم ويأخذ عنهم، لكونه لم يصل الى مرتبة النضح العقلي الذي يجعله أن يميز به بين الصحيح والخاطئ. فعندئذ يقع في حيرة متزايدة وصراع فكري ونفسي أليم.
- الإنحراف في السلوك
والمراد به أن الولد حين يرى المرشد الرباني والفيئة الإسلامية الواعية يعطونه إسلاما وتوعية يختلف كل الاختلاف عن إسلام وتوعية الصحبة التي خالطها لاشك أن الولد يتأثر بهذا التناقض قد يؤدي به الى الإنحراف في السلوك والعقيدة نتيجة ردود الفعل لهذه المتناقضات.
فلهذا وجب على المربي أن يبحث عن توعيات من الاصدقاء لولده هم من جنس الاشخاص الذين يتربون على يد المرشد الرباني الواعي الفاهم.
ومن الأمور التي ينبغي على المربي أن يلحظها ربط الولد باربعة أصناف من الاصحاب:
أ. صحبة البيت: اي صحبة الأخوة والقرابة فهؤلاء هم اول من يلتقي بهم الولد ويتعرف عليهم وهم اول ما يكتسب منهم ويأخذ عنهم. فعلى المربي أن يبحث في الأسرة او ذوي القرابات عن أولاد يتسمون بالطهر ةالفضيلة ويمهد لتوثيق العلاقة الإجتماعية بين الناشئين. وفي حال عدم القريب الصالح وجب على المربي أن يكف الأولاد الناشئين عن مصاحبتهم. ويبحث له عن رفقة صالحة من غير ذوي القرابات ليرتبط بهم ويجد في صحبتهم السلوى والعزاء ومكارم الأخلاق.
ب. صحبة الحي: اي صحبة الولد لأولاد حيه وجيرانه في المسكن الذي يقطن فيه. ومن الأمور المسلم بها أن اي حي من الاحياء يعج بأولاد لا حياء لهم ولاتربية ولا أخلاق. وهذه ظاهرة خطيرة يجب أن يعالجها المربون.
ج. صحبة المسجد: اي صحبة الولد لأولاد من سنه اعتادوا صلاة الجماعة وخضور الدروس في المسجد. فعلى المربي أن تربط أولادهم برفقة مساجدية صالحة مع الملاحظة التامة ليكون الأولاد من عداد المسلمين الاظهار.
د. صحبة المدرسة والمعمل:اي صحبة الولد لأولاد في صفه ومن سنه في المدرسة التي يتعلم منها او في المعمل الذي يكتسب منه. لأن المدرسة اليوم في البلاد التي تسودها الافكار الضالة والمبادئ المستوردة أصبحت مرتعا خصبا لهذه الأفكار والمبادئ. فعليك أن تبذل جهدك لإنقاد ولدك من هذا الجو المظلم. ولا يتحقق هذا الانقاد الا بصحبة طلابية صالحة واعية. يرتبط ولدك في هذه المرحلة التي يمر عليها في التلقين العلمي والتكوين الثقفي.
3. ربط الولد بالدعوة وبالداعية:
من المعلوم أن الولد حين يتهيأ له مناخ الدعوة في كل ما يتعلق بها من أسباب وحين تتمهد له ظروف الجهاد التبليغي فإن الولد لاشك على روح الجهاد وتبليغ الدعوة. ومن المعلوم ايضا أن الولد حين ينشغل في أوقات فراغة في الاعمال الدعوة والواجبات التبليغية، فنكون قد أشغلنا فراغه في أمور يعود نفعها على نفسه وأثارها على أبناء أمته.
ولتهيئ الولد ليكون داعية المراحل. منها:
أ. التهيئة النفسية
وذلك بتصوير الواقع المؤلم الذي وصل اليه العالم الإسلامي من أقصاه الى أقصاه، تصوير الصراع في المبادئ والافكار، تصوير الظاهرة الإنحلالية والإباحية. الى غير ذلك من التصويرات. فهذا التصوير للواقع والوصف للحاضر مما يدفع الولد الى أن يقتنع بضرورة العمل الدعوى والجهاد التبليغي.
ب. ضرب الأمثال
ولضرب الأمثال وجهان:
1. ضرب للمثل يزيل عن النفس بأسها وقنوطها ويتحقق لها أملها وتفائلها.
2. ضرب للمثل يدفع المسلم الى العمل والتضحية والثبات مهما كانت العراقيل والعقبات.
ت. اظهار فضيلة الدعوة.
على المربي أن يركز في ذهن الولد الأجر الكبير الذي يخطي به الداعية الى الله حين ينطلق في مضمار الدعوة ويبلغ الناس رسالة الإسلام الخالدة. قال تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران/110]
ث. بيان الأصول المتبعة في تبليغ الدعوة:
بأن يبين الأصول المتبعة في تبليغ الدعوة حتى يلتزمها ويسير على هديه، حتى يكون تأثيره أبلغ والنتائج التي يصل اليها دائما أفضل وأحسن.
وهذه الأصول هي:
1. أن يكون عالما بحكم كل قضية يدعوا اليها او ينهى عنها. حتى يكون أمره ونهيه دائما مطابقا لأحكام الشريعة مبادئ الإسلام.
2. أن يكون فعله دائما مطابقا لقوله. حتى يقبل الناس هديه ويستجيبوا لدعوته.
3. أن يكون المنكر مجمعا على إنكاره حتى لايقع الناس بسبب تعصبه في بلبة فكرية ونفسية وإجتماعية.
4. أن يكون لطيفا رقيقا حسن الخلق. حبى يملك قلوب الناس بملاطفته وكريم أخلاقه.
5. أن يكون صابرا على الأذى حتى لاييأس أو ينهزم مما يلقاه من تعنت المستكبرين.
ج. من التوجيه الى التطبيق:
ويحسن في بدء التكوين الدعوى أن تربط ولدك بداعية مخلص مجرب.عنه يتلقى التوجيه ومنه يتلفن أصول الدعوة. وبعد هذه المرحلة يأتي دور التدريب على الاتصال الفردي للهداية والاصلاح وهذا لايتأتى الا أن يتدرب الولد عمليا على أن يمارس دعوة الآخرين الى الخير بنفسه دون مصاحبة مرشد او مرافقة رقيب. وبعد أن تم الولد من هذه المراحل العملية في الدعوة يأتي دور المربي او المرشد او الداعية ثانية، ليسأل الولد عن النتائج التي وصل اليها ويحاسب عن المراحل التي مر بها.
الربط الرياضي
من أهم الوسائل النافعة في تربية أفراد المجتمع هو إملاء فراغهم بأعمال جهادية وتدريبات عسكرية وتمرينات رياضية. لأن الإسلام جمع في آن واحد بين الجد واللهي والبرئ ووفق بين مطالب الروح وحاجات الجسم.
والولد من حين أن يعقل هو أولى بالعناية بهذا الإعداد الصحي. وذلك لثلاثة اسباب:
1. للفراغ الكثير المتيسر له
2. لوقايته من الأمراض والاسقام.
3. لتعويده منذ الصغر على تمارين الرياضية وأعمال الجهاد.
وفي الحقيقة وواقع الأمر أن الارتباط الرياطي للولد لايعطي الثمرة المرجوة الا أن يكون على وفق المنهج الذي وضعه الإسلام. وهو:
أ. إيجاد التوازن.
فالارتباط الرياضي للولد يجب أن يكون بحدود الوسط والاعتدال لإيجاد التوازن مع سائر الواجبات الأخرى دون أن يطغى حق على حق او يتغلب واجب على واجب. تحقيقا لمبدأ التوازن والتعادل.
ب. مراعاة حدود الله.
مراعاة هذه الأمور:
1. أن يكون اللباس الرياضي للولد من السرة الى ما تحت الركبة.
2. أن تكون الأعمال الرياضية في اماكن غير مشبوهة.
3. أن يكون التشجيج على النبوغ الرياضي يرهان غير محرم.
ت. تحرير النبة الصالحة
على المربي أن يهمس في أذن الولد أن ما يقوم به من تمارين رياضية وبدنية وما يتدرب عليه من أعمال عسكرية وحربية هو من أجل أن يقوي صحيا وجسميا ويكون نفسه حربيا وجهاديا. حتى إذا بلغ السن التي تؤهله بأن ينهض بأعباء التكاليف اليومية.
** الثانية قاعدة التحذير **
هذه القاعدة لاتقل أهية وتأثيرا عن القواعد الأخرى بل هي من العوامل الأساسية التي تغسل مخ الولد من الأفكار العفنة والمفاهيم الضالة الباطلة. ولهذه القاعدة حقيقتين:
1. التحذير الدائم للولد يؤصل في قلبه كراهية الشر والفساد.ويورث في نفسه النفور من ظواهر الزيغ والانحلال.
2. التعرية لظواهر الزيغ والالحاد والانحلال تزيد المربي عزما وتصميما في تحمل المسؤولية والولد توجيها وتعليما في البعد عن الشر والتخلي عن الباطل.
واهم هذه التحذيرات هي:
• التحذير من الردة.
والمقصود من الردة ترك المسلم دينه الذي ارتضاه الله له واعتناق دين آخر او عقيدة أخرى تناقض شريعة الإسلام.
• التحذير من الالحاد.
المقصود به التنكر للذات الالهية وجحود الشرائع السماوية التي جاء بها الرسل والاستهتار بكل الفضائل والقيم المنسوبة الى وحي السماء.وهو نوع من الردة بل هو أنكى وأشد.
• التحذير من اللهو المحرم.
والإسلام قد حرم على المسلمين أصناف من اللهو والوانا من الترفيه لضررها على أخلاق الافراد وكيان الدولة وكرامة الأمة.
• التحذير من التقليد الاعمى.
والمراد به تحذير الولد من الانسياق وراء التقليد الاعمى بلا روية ولا تفكير، وتوعيته من الانزلاق وراء التشبه بلاتبصرة ولا هدي.
وذلك للأمور، منها:
لأن التقليد الاعمى دليل الهزيمة الروحية والنفسية وعدم الإيمان بالذات.
لأنه يدفع بالكثير الى فتنة حياة الدنيا ويؤدي بصاحبه الغرور والكبرياء.
لأنه يقعد هؤلاء المنساقين وراء عادات الاجنبي وأزيائه وأخلاقه عن كثير من الواجبات الدينية والمسؤولية الإجتماعية.
لأنه من أكبر العوامل ومن أفتك الاوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة لما يؤدي حتما الى تفلت الغرائز وانطلاق الشهوات.
• التحذير من رفقة السوء.
• التحذير من مفاسد الأخلاق.
وهذان قد تقدم ذكره في هذا الكتاب.
والحاصل على المربي أن يوازن ما بين الربط والتحذير وأن يكون مع الولد في جميع حركاته وسكناته حتى إذا رأى منه انحرافا عن الجادة رده اليها.
اقتراحات تربوية لابد لها
وهذه لاتقل أهمية عما تقدم. وان هذه الاقتراحات تنحصر في الأمور:
1. تشويق الولد الى أشرف الكسب.
يجب على المربي تجاه الولد تشجيعه على العمل الحر سواء أكان هذا العمل صناعيا او زراعيا او تجاريا. فالأنبياء عليهم السلام كلهم كانوا يزالون الأعمال والصناعات، فأعطوا للأمم القدوة الحسنة في العمل الحر. قال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك/15]
وينبغي أن نميز بين صنفين من الأولاد في تعليمهم أمور المهنة والصنعة:
أ. صنف المتفوقين دراسيا.وعلى الغالب هم الأذكياء فهؤلاء لاضير عليهم أن يتابعوا تحصيلهم العلمي حتى النهاية على أن يتعلموا أثناء العطل والفرص المواتية ما يميلون اليه من حرفة او صناعة. لكونهم لايدرون ما تواجههم به الأيام من نكبات وأجداث.
ب. صنف المتخلفين دراسيا. وعلى الغالب هم متوسطوا الذكاء او الاغبياء، فهؤلاء بعد تعليمهم ما يلزم عليهم من أمور دينهم ودنياهم يجب أن يتوجهوا الى العمل المهني والأختصاص الصناعي من حين أن تشعر الأب أو المربي تقصورهم وتخلفهم. ومن الخطاء أن يتابع الولي دراستهم وهم على هذا الحال من التخلف والقصور والغباء.
اما المرأة وهي فتاة فينبغي أن تتعلم من الصناعات وأمور المهنة ما يتفق مع مظيفتها واحتصاصها كأم او زوجة. أما عدا ذلك من الأعمال والمسؤوليات فالإسلام اعفاها منها.
2. مراعاة استعدادات الولد الفطرية.
تجب على المربي معرفة ما يميل اليه الولد من صنائع وما يناسبه من أعمال وما ينشده في الحياة من آمال وأهداف. ولا شك أن الأولاد يختلفون فيما بينهم أمزجة وذكاء وطاقة، فالمربي الحكيم هو الذي يضع الولد في المكان المناسب الذي يتفق مع ميوله وفي البيئة الملائمة التي يصلح أن يكون فيها. فعلى المربي أن لايحول بين الولد وبين الرغبة التي ينشدها في الحياة إذا كان في هذه الرغبة مصلحة تعود اليه وفائدة يرجوها.
3. ترك المجال للولد في اللعب والترويح
أن الإسلام دين واقعي يقر للمسلم اللعب البرئ واللهو المباح ما دام في مصلحة الإسلام وما دام في حدود ملاطفة الأهل والعيال. لكون هذا يتفق مع أمزجة البشر وطبيعة الإنسان.
وإذا كان اللعب البرئ والترويح عن النفس من الأمر اللازمة للمسلم. قإن لزومها للولد وهو صغير من باب أولى. وذلك لأمرين:
أ. لأن قابلية الولد للتعليم وهو صغير أكثر من قابليته وهو كبير لحديث « العلم في الصغر كالنقش في الحجر »(91).
ب. لأن حاجة الولد الى ظاهرة اللعب والمرح وهو صغير أكثر بكثير من حاجته اليها وهو كبير.
ومن المعلوم أن الحكمة من هذا اللعب إزالة ما يحس به الولد من السآمة والملل والتعب. وتجديد لنشاطه.
ولكن على المربي أن يلحظ في لعب الأولاد أمرين:
• الأ يؤدي الى الارهاق الزائد والمشقة المئذية لأن في ذلك ضرر للبدن.
• ألا يكون على حساب واجبات أخرى يجب أن يتلقونها او يكلفوا بها. لأن في ذلك إضاعة للوقت وقتلا للفائدة.
4. إيجاد التعاون بين البيت والمسجد والمدرسة
من المعلون أن مسؤولية البيت والمسجد والمدرسة تتركز في الدرجة الأولى في التربية. فحينما نقول بتعاون البيت والمسجد والمدرسة فمعنى هذا أن الولد قد اكتملت شخصيته وتكون روحيا وجسميا وعقلياونفسيا. ولكن هذا التعاون لايتم على الوجه الأكمل الا بتحقق شرطين:
أ. الا يكون هناك تناقض بين توجيه البيت والمدرسة.
ب. أن يكون التعاون هادفا لإيجاد التكامل والتوازن في بناء الشخصية الإسلامية.
فالأب في البيت مسؤول اولا عن تربية الولد الجسمية والخلقية إذا كان الولد في المسجد يتربى روحيا وفي المدرسة يتكون عقديا وعلميا.
5. تقوية الصلة بين المربي والولد.
من القواعد التربوية تقوية صلة ما بين المربي والولد، ليتم التفاعل النبوي على أحسن وجه ويتكمل التكوين العلمي والنفسي والخلقي. لأنه إذا كان ثمة جفوة ما بين الولد والمربي او ما بين الطالب والأستاذ فلايمكن أن يتم تعليم او تربية. لذا وجب على الأباء والمربين ان يبحثوا عن الوسائل الايجابية في تحبيب الأولاد بهم. وتقوية الصلة بينهم وإيجاد التعاون.
6. السير على منهج تربوي في اليوم والليلة
من أوجب المسؤوليات تيسير الولد على منهج تربوي في اليوم والليلة حتى يعتاده ويندرج عليه ويجد تنفيده في المستقبل أمرا عاديا مألوفا لكونه تأصل في كيانه وترسخ في شعوره وفؤده.
ولكن لك أن بلاحظ في هذا المنهج الأمور:
أ. اجعل من المنهج اليومي جزءا من الوقت لتسأل أولادك ماذا يتوجهون ويتعلمون.
ب. لقن أولادك بشكل دائم مبادئ الأخوة والمحبة والتعاون والإيثار حتى اذا بلغوا سن الكبر كان التعاطف فيما بينهم خلقا وعادة.
ج. كلما رأيت الفرصة لإخراجهم الى نزهة في بستان او شاطئ البحر فعليك ألا تقصر في هذا الحق التربوي حتى تنشط أجسامهم، وتتروح نفوسهم.
د. صم مع أولادك الايام المنذوب صيامها شرعا حتى إذا جلست واياهم على مائدة الإفطار رأوا منك البشاشة والملاطفة ليعتادوا صيام النفل بقودتك الصالحة.
ه. ولا بأس أن تسلك مع أولادك أسلوب الهدايا وتلبى لهم ما يطلبونه من مال او شراء حاجات.
7. تهيئة الوسائل الثقافية النافعة للولد
وجب على المربين أن يهيئوا للأولاد الوسائل الثقافية النافعة المتنوعة حتى ينضج الولد عقليا ويتكون في الحياة فكريا وعلميا. وأن هذه الوسائل تتركز في الأمور منها: تكوين مكتبة خاصة بالأولاد.
8. تشويق الولد الى المطالعة الدائمة
يجب على المربي أن يعرفوا الولد منذ أن يبلغوا سن الوعي والتمييز علوم وعقائد الإسلام. ولا يتأتى ذلك الا بمطالعة واعية لكتب فكرية وتارخية وحضارية.
والمطالعة لايندفع الولد اليها الا بالتحبيب والتشويق اليها. وأن هذا التشويق يتركز في النقاط:
أ. أن نوازن له ما بين العلم والجهل وما بين العلماء والجهلاء.
ب. إقامة مباريات بين الأولاد بعضها لأسرع القراءة وبعضها لمطالعة أكثر عدد ممكن من الكتب في الوقت المحدد.
ج. توفير الكتب المتنوعة للولد.
د. إفهام الولد أن الوقت كالسيف وأن الواجبات أكثر من الاوقات.
واعلم أن المطالعة لاتعطي الثمرات المرجوة الا بإتباع الطرق التالية:
• التهيئة النفسية قبل المطالعة.
• التركيز الذهني أثناء المطالعة.
• وضع خطوط بالقلم تحت المعاني الهامة والأفكار الرئسية. حتى إذا ألقى الى البحث نظرة ثانية ترسخت هذه المعاني في ذهنه.
• وضع العناصر الاساسية على هامش الصفحة ليكون الاستعاب لهذه العناصر تاما.
• اعداد دفتر مذكرات كبير ليدون فيه كل ما يستحسنه القارئ.
9. استشعار الولد الدائم بمسؤولية الإسلام
من الأمور الهامة التي تؤكد على ضرورة الإعتناء بها. السعي الدائم في تلقين الولد الحقائق التالية:
أ. إن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقام وعلى يديها تحقق نصر الإسلام كانوا شابا.
ب. هؤلاء الشباب هم الذين حملوا على كوابهم أعباء الدعوة.
ج. هؤلاء الصحابة ومن جاء بعدهم لم يبلغوا قمة المجد والعظمة الا بشيئين:
التزامهم الإسلام عقيدة وفكرا وقولا وعملا، تحقيقا و تطبيقا.
حملهم رسالة الإسلام الى الدنيا بجهادهم وقوة صبرهم.
أ. فنحن جيل الإسلام اليوم اذا نجهنا نحج الجدود في التزام الإسلام. فسوف نحقق بأيدنا عز الإسلام.
2. تعميق روح الجهاد في نفسية الولد.
من الأمور الهامة التي يجب أن يهتم المربون بها تعميق روح الجهاد وترسيخ معاني العزم والمصابرة في فكره وقلبه ومشاعره. ولا سيما هذا العصر الذي انحسر فيه حكم الإسلام عن بلاد الإسلام. لذا وجب على المربين ان يلقنوا أولادهم معنى الصبر والمصابرة وأن يعمقوا في نفوسهم روح الجهاد. عسى أن يستعيدوا بجهادهم عن الإسلام ومجد المسلمين.
أن هذا التعميق يكون في النقاط التالية:
أ. استشعار الولد بشكل دائم أن تحقيق الغزة الإسلامية وبناء المجد الإسلامي. لايكون الا بالجهاد واعلاء كلمة الله.
ب. افهام الولد أن الجهاد في سبيل الله أنواع:
الجهاد المالي: وذلك بالانفاق لأجل إعلاء كلمة الله وهو العصب الحساس لكل جهاد تقوم به أمة الإسلام في الحياة سواء أكان الجهاد تبليغا ام تعليميا وسواء أكان سياسيا او حربيا.
الجهاد التبليغي: وذلك بتبليغ الإسلام باللسان وإقامة الجحة بأن دعوة الإسلام حق على الكافرين والمنافقين والملحدين والمنحرفين.
الجهاد التعليمي: وذلك ببذل الجهد في تكوين المجتمع الإسلامي علميا وثقافيا وفكريا وإعطاء التصور الصحيح عن فكرة الإسلام الكلية عن الكون والحياة والإنسان.
الجهاد السياسي: وذلك ببذل الجهد في إقامة الدولة الإسلامية على أسس من مبادئ الإسلام وقواعده العامة الشامة وبالاختصار أن تكون الحاكمية في نظام الحكم لله وحده.
الجهاد القتالي: وذلك ببذل الجهد للوقوف أمام كل طاغوت يقف عقبة .
فالمربي حين يستشعر الولد هذا المفهوم العام عن الجهاد، فإنه يندفع الى الجهاد بكل عزم ، لكون الجهاد يشمل كل عمل دعوي ما دامت النية لإعلاء كلمة الله ونشر دينه في الأرض.
خاتمة
ومن منطلقات الوصول الى السيادة والنصر البدء بإصلاح نفوسنا ثم القيام بإصلاح أسرنا. ولا يتأتى هذا الاصلاح لأعضاء الأسرة الا أن نأخذ بمنهج الاسلام في تربية أبنائنا وبناتنا. لأن إصلاح الفرد هو المنطلق الطبيعي لأصلاح الأسرة ثم بالتالي يأتي إصلاح المجتمع ثم تتكون في المجتمعات الاسلامية القاعدة الصلبة من المؤمنين المخلصين والمجاهدين.
فيا أيها المربون..هذا هو منهج الاسلام في تربية الأولاد وهذا هو الطريق الأقوم في اصلاحهم وهدايتهم. فانهضوا بمسؤولياتكم زقوموا بواجباتكم ليتحقق في المجتمعات الاسلامية إصلاح أولادكم وأسركم.
وهذا اخر ما تيسر لي في اختصار الكتاب " تربية الأولاد في الاسلام " للشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله، الذي أمرني به سيخي المربي وعمدتي الاستاذ محمد نجيح بن شيخنا ميمون نفعنا الله بعلومهما ومتعنا والمسلمين بجياتهما آمين. وأخر دعوايا الحمد لله رب العالمين.
والله أعلم بالصواب
سرانج 13-رجب-1430
كتبه واحتصره من أصله المبارك
الفقير الى رحمة الله تعالى
سيف الأنصارالطوباني